الخرطوم- سودان فيرست
ربما كان السؤال الذي يتبادر إلى ذهن المتلقّي لخبر تحريك أمر اعتقال “علي كرتي” قائد الدفاع الشعبي ووزير الخارجية الأسبق، وأخطر رجالات الإنقاذ، كيف تخطته كل موجات الاعتقالات الثورية منذ مطلع العام السابق؟ وفي الوقت نفسه ما الذي طرأ سياسياً أو أمنياً ليذكرهم به، هكذا وعلى نحوٍ مفاجئ بالتزامن مع الطوارئ الصحية، وجائحة كورونا! وإن كانت الأسئلة في ما يخص “علي كرتي” تبدو عطشى لاستكناه أمره وفض مغاليق سره، حد تعاظم خطره بشكلٍ مُباغتٍ في محضر النيابة العامة، حتى لصق اسمه ورسمه بالنشرة الأخيرة، وتمّ وصفه بـ”مُتّهم هَارب”، كما لو أن الرجل أدرك حجم الخطر الذي يلاحقه، فتوارى عن الأنظار، أو بالأحرى “حاول يخفي نفسه”.
مُتّهم هارب
ابتداءً ومنذ بيان الجيش الأول، والتحفُّظ على رأس النظام السابق المشير “عمر البشير” في مكان أمن، لم تظهر أيّما معلومات بخُصُوص كرتي، أو طبيعة النشاط الذي انخرط فيه، ولم يظهر اسمه في النشرات الأولى، باستثناء ما رشح عن حوارات يُديرها في الخفاء مع قادة المجلس العسكري الانتقالي وقتها، لإنقاذ ما يُمكن إنقاذه، وتولِّيه شأن المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية، قبل تكليف “إبراهيم غندور” رسمياً بالمهمة الأولى.
امتداداً لإجراءات تفكيك التمكين والتعامُل مع رموز النظام السابق بالسودان، أمرت النيابة العامة أمس الثلاثاء، بإلقاء القبض على وزير الخارجية الأسبق “علي كرتي”، وتجميد أُصُوله بتُهمة الاشتراك في انقلاب 1989 على الشرعية الدستورية.
أمر التوقيف، أثار عاصفة من الاستفهامات لجهة التوقيت المُتأخِّر، تحت اتّهامات أنصار النظام السابق بأنّ في الأمر صرفاً لانتباه الرأي العام عن الأزمة الصحية والاقتصادية التي تعيشها البلاد، وبين من ينظر للأمر بأن ثمة مستجداً خفياً دفعهم لتحريك إجراءات البلاغ ضد كرتي، سواء كان ذلك خاصاً بترتيبات داخل سجن كوبر، أو بدافع الحُصُول على تسوية مالية، وذلك على اعتبار أنّ كرتي من رجال البزنس في النظام السَّابق، قبل أن يكون قيادياً بارزاً.. فَمَا هي الحَقيقة بالضَبط؟
تطوُّرات الاعتقال
لما يُقَارِب العام، ظَلّ كرتي حُراً طليقاً، دُون توجيه أوامر بالقبض عليه، رغم اتّهامات الفساد التي طالته وآخرين بامتلاك عددٍ من الأراضي، فقط ظهر اسم زوجته السفيرة “أميرة قرناص” في كشف المُبعدين من وزارة الخارجية مُؤخّراً.
بحسب حديث مسؤول الإعلام بالنيابة العامة الأستاذ هشام الشيخ لـ(سودان فيرست)، فإنّهم تلقّوا بلاغاً من شاكٍ يُفيد بأنّ كرتي ضلع في انقلاب ٨٩ الذي أتى بالبشير إلى السُّلطة وعقب التحريات تأكّد للجنة التحقيق في انقلاب ٨٩ برئاسة مولانا سيف اليزل محمد سري، صحة بلاغ الشاكي، وقال هشام: الآن كرتي هاربٌ وتم تحرير نشرات في الصحف بإلقاء القبض عليه وخمسة آخرين.
أصدرت النيابة العامة، لجنة التحرِّي والتحقيق في انقلاب 1989م، نشرة جنائية للقبض على (6) من قيادات نظام الإنقاذ البائد، أبرزهم علي كرتي – الصافي نور الدين – الهادي عبد الله محمد العوض – محمد عبد الحفيظ الدنقلاوي وعمر سليمان.
تحقيق وشائعات
وفي نوفمبر الماضي، أعلن النائب العام “تاج السر الحبر”، عن تشكيل لجنة للتحقيق في انقلاب 1989 على الشرعية الدستورية، ومنحت اللجنة صلاحيات النيابة العامّة الواردة في القوانين، كما منحت أيضاً صلاحيات الاستعانة بمن تراه مُناسباً لإنجاز مهمتها وأوكلت رئاستها لمولانا سيف اليزل محمد سري.
ظلت تسريبات فرار “كرتي” تُلاحقه طوال الفترة الماضية، إلا أنه وبحسب مصادر من داخل حزب المؤتمر الوطني تحدثت لـ(سودان فيرست)، فإن الأمر لا يعدو عن كونه شائعة، لكنه موجود ويتحرّك بحرية وسط أسرته، وذلك عقب تكليفه بإدارة ملف الحركة الإسلامية بدلاً من الزبير محمد الحسن رئيس الحركة الإسلامية الذي تم التحفظ عليه بمنزله، ولا يزال رهن الإقامة الجبرية منذ سقوط النظام حتى الآن تقريباً، وقالت مصادر (سودان فيرست)، إن تحريك البلاغ في مواجهة كرتي الغرض منه التضييق على الإسلاميين بإيعاز من جهات ودوائر نشطة في صناعة القرار الآن، تدير المشهد السوداني برمته .
من هو كرتي؟
وُلد “علي أحمد علي كرتي” وهذا اسمه بالكامل، في قريه أبو طليح منطقة حجر العسل، ولاية نهر النيل، في أكتوبر عام 1953، وقد تلقّى تعليمه الأولي بمدرسة حجر العسل الابتدائية والأوسط في مدرسة بانقا الوسطى، أما الثانوي ففي مدرسة شندي العليا، ثم جامعة الخرطوم كليه القانون في العام 1979 وحصل على البكالريوس في القانون بعد أن قضى وقتاً طويلاً في العمل التنظيمي داخل الحركة الإسلامية.
وعمل بالمحاماة في بداية حياته، وهو متزوج من ثلاث زوجات، كما أشرف على قوات الدفاع الشعبي وكان قائداً لها وشغل عدة مناصب قبل أن يُعيّن وزيراً للخارجية، منها أنه كان مُنسِّقاً للدفاع الشعبي ومن ثَمّ وزيراً بوزارة العدل، ووزير الدولة بوزارة الخارجية، ومن ثَمّ وزيراً للخارجية في مرحلة مُهمّة من تاريخ الإنقاذ.
انتشال الروح الثورية
ينظر الرشيد محمد إبراهيم أستاذ العلاقات الدولية المحلل السياسي إلى تحريك الإجراءات من زاوية سياسية، وقال الرشيد لـ(سودان فيرست)، إنه لا تُوجد في الوقت الحالي مُؤسّسات عدلية تقوم بواجبها تجاه رموز النظام السابق بشكلٍ قانوني، بينما كل الذي يجري الآن اعتقالات سياسية، وأضاف: “عهدنا دائماً أن تتم القرارات الكبيرة في أيام المد الثوري، لكن الآن ما عاد الاعتقالات بهذا الشكل”، مٌشيراً إلى أنّها يُمكن أن تخدم أجندة سياسية، ولذلك فإنّ الأمر هو مُحاولة لانتشال الروح الثورية من حالة الإحباط الذي تعيشه.