سودان فيرست – عزمي عبد الرازق
بالرغم من أنّ فضائية سودانية ٢٤، واحدة من الواجهات الإعلامية لرجل الأعمال وجدي ميرغني، إلا أنّها ارتبطت على نحوٍ وثيق جداً بالإعلامي الطاهر حسن التوم، حتى بات حالها منذ الإطلالة الأولى في أغسطس ٢٠١٦ كـ(حال البلد)، لكنها بعد ثورة ديسمبر ٢٠١٩م، حاولت أن ترتدي لبوس الثورة، كخيرة من يأتي متأخراً، بيد أنها أيضاً ظلت تقاوم عصفاً إدارياً، مصوباً من وراء شارع المشتل، لم يلبث أن أربك وجهتها الأخيرة، حيث أخفقت وتطورت، كما ينظر إليها البعض، لتصبح شيئاً بعيداً عن الصواب.
الأسبوع الماضي، أجرى مالك القناة، الذي عاش تجربة الاعتقال مؤخراً لأسابيع متطاولة، أجرى تعديلات عميقة في الهيكل القيادي للقناة، قضى بتعيين حاج عمر محمد مديراً عاماً عوضاً عن منتصر النور الذي يتأهب لتسنم مقود قناة إخبارية متخصصة من ذات الفيض المحجوبي الإخواني، إلى جانب رافد سياحي آخر ربما يستأثر بالمخرج الشهير “سيف الدين حسن” صاحب التخلقات الوثائقية وسلسلة “أرض السُّمّر”، عطفاً على صحيفة (حكايات) التي انبثقت مجدداً كشراكة بين الوجديين، وجدي الكردي ووجدي ميرغني، امتداداً للتخوم الشمالية، او شراكة بين الحرف والمال، وهي شراكة في معناها البعيد تريد أن تحافظ تقريباً على تحالف الاقتصاد والإعلام، وعلى نحوٍ أكثر دقة كل البلد في أعلى شاشات ” محجوب اخوان” .
لم يمكث حاج عمر طويلاً، مع كل تراكم خبراته، إذ أنه أحد أبرز أعضاء فريق تأسيس قناة الحرة الأمريكية في العام ٢٠٠٣، كما أنه عمل مستشاراً لأكبر مشروع في قناة الجزيرة القطرية يتعلق بالتطوير والنقلة الرقمية، بل إنه لم يجلس بشكل مريح على مقعد المدير الأول، إذ ان الفترة الممتدة بين تعيينه وإبعاده ربما لم تتعد “أسبوعاً تماماً”، رغم أن حاج عمر حرص بمجرد أن تم تعيينه، على إمضاء جملة قرارات منها، إعادة كافة المفصولين سابقاً، وهيكلة القناة بما يُواكب الأسس العالمية في إدارة المحطات التلفزيونية، لكن يداً غير حانية بالطبع أطاحته، دون تبرير مُعلن، وبشكل تزامن أيضاً مع تدوينة البراق النذير الوراق مستشار رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، فما الذي بين البراق وحاج عمر؟!
كتب البراق على جدار صفحته بالفيسبوك صباح السبت، منشوراً مغايراً لكتاباته التي نأت طويلاً عن شخصنة القضايا، حيث اتّهم هذه المرة أشخاصاً، لم يُسمِّهم بالعَمَالة والجاسُوسية لدول خارجية، وذكر البراق صباح السبت أن مُؤسّسة إعلامية كبيرة عيّنت على رأسها شخصية معروفة بالعمالة، وأضاف: (أنا شاهد على هذا الأمر ولن أتركه حتى ينجلي).. لكن البراق عاد ومسح المنشور، تحت تقديرات عديدة، ليس بينها عدم الإفصاح كلياً، فهذا شأن قومي وأكبر من وظيفة ومنصب، على حد قوله، ما يعني أن البراق انصرف بخلفية أكبر لمعترك ربما كان يؤرقه طوال الأيام والسنوات الماضية، حد أنه مشى فيه بسيف ودرق، ومع ذلك هو لم يشر صراحةً إلى مسرح التغييرات في سودانية ٢٤، ولت حتى لحاج عمر مباشرة، وإن كانت الإشارة التي يسهل التقاطها ذات صلة بما يجري في شارع المشتل على الأرجح.
من المهم القول، إنّ سودانية ٢٤ لم تبرح مسرح الجدل، وهي التي سلّطت الأضواء على قضايا الشباب والسياسة، اعتقلت كواليسها الأضواء أيضاً، من خلال التنازع واقتسام صيتها، وانتقالها بخفة من اشتراطات التصديق لقناة اقتصادية محضة إلى كوكتيل من المنوعات والسياسة، لتسبح فوق أمواج (النيل الأزرق)، ومن ثم مُغادرة الطاهر حسن التوم في تسوية دولارية لم يكشف عنها، لكن وفقاً لما رشح ربما وصلت إلى نحو نصف مليون دولار، وقبل ذلك، كان خروج لؤي بابكر صديق، المخرج الشاب صاحب المواهب والإسهامات المقدرة في التأسيس، حيث وارب الباب خلفه بسرعة في المرحلة الأولى، نتيجة لعدم التناغُم بينه والمدير العام وقتها الطاهر حسن التوم، إذ قرر الأخير تفريغ لؤي للعمل الإخراجي والفني والنأي به عن الجانب الإداري، مبرراً ذلك بالحاجة له كمخرج أكثر منه إدارياً، وهنا كانت بداية تعارُض المسارات.
اليوم يعود لؤي بابكر للبيت القديم، مديراً تنفيذياً لسودانية ٢٤ وهي أشبه بعودة محمد عبد الحي إلى سنار، نسبياً مع تألق الرؤى، والأفكار الدؤوبة التي تُميِّز لؤي عن غيره من المخرجين، لكن ما هو مُحيِّر حقاً، علاقة البراق النذير حالياً بقناة تُعتبر ملكية خاصة، حد أن تشغله التغييرات في هيكلتها! فهل اقتربت منها السُّلطة بالفعل عبر لجان إزالة التمكين، أو صفقات احتواء المشروعات الخاصة؟ أم أن البراق جزء من صراعات القناة، لا سيما وأن الطاهر في أحدث منشوراته نصح البراق بالقول: “لماذا كتابة منشور بهذه الخطورة ثم تعديله، ثم سحبه، ثم كتابة ملحق تفسيري؟ يا صديقنا القديم”! وهنا بالضبط لا شيء من يحول دون انتشار عامل الإحساس بأن شيء ما يحدث وراء الكواليس