الخرطوم- سودان فرست
في تلك الليلة الأخيرة من أيام الرئيس المعزول عمر البشير ببيت الضيافة، كانت حرمه السيدة وداد بابكر تسترق السمع لهتافات الثورة، كانت القُوّات المُسلّحة تتحفّز لإنهاء حقبة طويلة من عُمر الإنقاذ، بينما الحراسة المُعتادة قد تبدّلت فَجأةً، ما يعني أنّ ثمة انقلاباً، وعلى أسوأ الفُروض بدأت تلُوح في الأفق مؤشرات التغيير الثوري.
شيئاً فشيئاً الأصوات قبالة مدخل القيادة ترتفع، ما جعل ضربات قلب السيدة الأولى وقتها أيضاً ترتفع، خُصُوصاً وأنّ نغمة شعبية كانت تنطوي عليها حكايتها، أو قل مصيرها “مُوش كده يا وداد”، بينما انطفأت ثريات القصر الجديد أخيراً، وأسدل الستار على لقب “السيدة الأولى” مرة وللأبد، دُون أن تتوقّف عن مُطاردتها الشائعات، حتى بعد أن ألقت عليها النيابة القبض منذ نحو ثلاثة أشهر تقريباً.
ثمة شائعات نُسجت حولها، أو بالأحرى اتّهامات ظلّت تحُوم بالقُرب منها بالثراء الفاحش، والكنوز التي لم يُحظَ بها علي بابا، إلى جانب امتلاك الأراضي والقصور والأرصدة البنكية، وهو ما تتحرّى عنه النيابة حالياً، فما هي حقيقة كل ذلك؟ وكيف تقضي أيامها بين جدران مُوحشة داخل مُعتقلات النيابة ببحري؟
حياةٌ قاسيةٌ
لا شك أنّ “وداد” لم تكن تتخيّل هذه النهاية، ولا أحدٌ منا ربما، حتى بداية رحلة الرفاه، فمُنذ استشهاد زوجها إبراهيم شمس الدين، تبدّلت لبوس حياتها، وهي التي كانت تقوم بخدمة أسرتها وضُيُوفها لوحدها بلا كللٍ، وقد عانت كثيراً أيضاً في الماضي، كما تُعاني اليوم من حصيلة اتّهامات تُطاردها حتى داخل محبسها، دُون أن يلتفت الناس إلى نفي شقيق البشير الأصغر “محمد البشير” ما رشح عنها من اتّهامات، مُؤكِّداً أنّها لا تمتلك أيِّ منزلٍ، وأنها كانت بعد ذهاب البشير إلى كوبر في استضافة أحد أقربائهم.
بين قصرٍ ومُعتقلٍ
من المُهم الإشارة إلى أنّ “وداد” تخلّت عن الدراسة في المرحلة الثانوية، وسُرعان ما عادت لتبدأ دراسة الاقتصاد والعلوم السياسية، بعد أن جلست مَرّةً أخرى لامتحانات الشهادة السودانية، وأحرزت نحو 70%، لكن منظمة سند الخيرية كانت مَحطّةً مُهمّةً في حياتها، منحتها فُرصة التعرُّف على مشاكل المُجتمع السوداني، وقد سلّطت عليها الأضواء كثيراً، حتى أُشيع أنها تمتلك مبانٍ في برج النخيل، وعدداً من العقارات بالخرطوم، بالإضافة إلى فندق وشقق في ماليزيا واستثمارات في قطر تُقدّر بملايين الدولارات!! لكن مُشكلة إدارية جعلتها تَتَوقّف عن مزاولة عملها في سند، وقد تردّد أنّ البشير طلب منها النأي بنفسها عن التفاصيل المالية، خُصُوصاً وأنّ سند كانت تعتمد على شراكات مع عددٍ من البنوك والشركات، والصناديق الخارجية.
الظهور الأخير
كان آخر ظهور لحرم البشير في الثامن من مارس العام الماضي، أي قبل سُقُوط حكم زوجها بشهر تقريباً، وذلك أثناء الاحتفال باليوم العالمي للمرأة، ومن ثَمّ اختفت وكان الشارع السوداني الذي بدا مشغولاً بمصيرها، يظن أنها قيد الإقامة الجبرية، بينما رشحت معلومات عن سفرها إلى مدينة جوبا!
وبحسب مصادر مُقرّبة لـ(سودان فريست)، فقد كانت “وداد” موجودة أيام عُنفوان الثورة داخل بيت الضيافة، وبعد ترحيل البشير إلى كوبر أخلت المكان، ولزمت بيت أحد أقارب زوجها في ضاحية كافوري، انتظرت فيه لنحو 8 أشهر، قبيل أن يتم إيداعها حراسة التحقيقات الجنائية بنيابة بحري للتحقيق معها، ومازالت رهن الإقامة هنالك .
الإكثار من التسبيح
منذ اعتقالها في ديسمبر الماضي وحتى الآن، لم تستطع النيابة العامة إثبات أيٍّ من التُّهم عليها، وبحسب مصادر مقربة تحدثت لـ(سودان فرست)، فإنّ “وداد” أثناء التحقيق معها ظلت تنفي كل التُّهم التي وُجِّهت إليها، وطالبت النيابة العامة إبراز ما يثبت صحة التُّهم التي تدور كلها حول الفساد المالي، وكشفت المصادر عن تأثُّر حالتها النفسية بالحبس الطويل، كما فقدت الكثير من وزنها، وشحب لونها، وهي تجلس حالياً لوحدها في غُرفة بالطابق الثاني من حراسة التحقيقات الجنائية ببحري، تمسك بيدها مسبحة لا تُفارق أصابعها، وقد مُنعت عنها الزيارة، حتى من أقرب الناس إليها.
وكانت نيابة مكافحة الثراء الحرام والمشبوه قد ألقت القبض عليها للتحقيق معها بشأن امتلاك أراضٍ سكنية عديدة بكافوري. وعلمت (سودان فريست) عن فشل مُحاولات لترحيلها إلى سجن النساء بأم درمان لأسبابٍ غير معلومة، والراجح أنّ تلك الخطوة لاحقة لعملية التحري الذي لا يزال مُستمرّاً، وربما بسبب التحوطات الأمنية أيضاً.
ابتزازٌ واتّهاماتٌ
عضو هيئة الدفاع عن وداد بابكر، الأستاذ السماني الشيخ كشف لـ(سودان فرست)، معلومات تُنشر لأول مرة عن ابتزاز يُمارس على موكلته بمُحاولة إلصاق التُّهم عليها، أو دفع كفالة مالية باهظة تُقدّر بـ50 مليار عقب اتّهامها بتصرُّفها في بعض الأملاك، رافضاً ترحيلها إلى سجن النساء بأم درمان لتُوضع مع المُدانات في جرائم الخُمُور والدعارة – بحد تعبيره، واعتبر السماني أنّ ما تُواجهه حرم الرئيس السابق مُحاولة لإسباغ صورة سيئة ومُهينة للبشير، ووصف الأمر بالمكيدة التي صنعها الإعلام المُضاد، مُؤكِّداً أنّ النيابة حتى الآن عجزت عن إثبات أيّة تهمة عليها.
بحثٌ وحيرةٌ
ووصف محامي الدفاع البحث في أملاك موكلته بالبحث الحائر، مُشيراً إلى أنها حالياً لا تملك سوى قطعتي أرض في كافوري، اشترتها من استحقاقات ورثة زوجها الراحل إبراهيم شمس الدين، بالإضافة إلى قطتعين في مدينة شرق النيل لا تتعدى مساحتهما 1000 متر عبارة عن هبة من الرئيس لأبنائها الأيتام، قائلاً: “تم التحقيق معها ثلاث مرات وكانوا يسألونها عن ذهبها ومجوهراتها والماسها”، فقالت لهم إنها لا تمتلك سوى (كيس ذهب) بلا قيمة مالية كبيرة، وهي لا تُفضِّل اقتناء الذهب بالأساس، وإنّما ظلّت ترتدي الاكسسوارات العادية، وأضاف محامي الدفاع: عندما أخبرتهم بوجود الذهب في كيس بالدولاب، قالت لها وكيلة النيابة التي تتحرى معها (تضعين الذهب في كيس، كنا نحسبك تضعينه داخل خزينة!)، مُشدداً على أنّ النيابة العامة استجابت لحملة إعلامية سياسية مقصود منها إثبات تُهم فساد في حق البشير وزوجته بقصد الإهانة .
بيان النيابة
مُؤخّراً انتشرت بعض الأخبار عن إطلاق سراحها، ما جعل النيابة العامة تُسارع بالنفي، وأكّدت في بيان تلقّى (سودان فرست) نسخةً منه، أنها تتعامل بمهنية وفقاً لأحكام القانون، ولن تسمح بأية علاقة خاصة تُعيق إجراءات العدالة، وأنه لم يتم تقديم أيِّ طلب أمام النيابة العامة بسُوء مُعاملة المُتّهمة، أو أيِّ مُتّهمٍ قيد الانتظار، وأشارت النيابة إلى أنّ المُتّهمة قيد الحجز كغيرها من المُتّهمات في الأماكن المُقرّرة لهن قيد الانتظار.