الخرطوم- سودان فيرست
فتاة في ال(١٥) من عمرها، حسب التكييف القانوني فهي قاصر، أو طفلة، لكنه مع ذلك ربما تنصب لها سرادق الفرح والزواج، أو تنتهي حياتها إلى جحيم، بسبب نزوة عابرة، لا ينفع بعدها الندم، وقد رصدت صحيفة (سودان فيرست) داخل وحدات حماية الأسرة والطفل، بعض حالات اغتصاب الفتيات تحت مبرر العلاقة العاطفية، بشكل يتسبب في الحمل المتخفي إلى حين، جرائم يندى لها الجبين، وآباء بجباه محنية، وأخرون يواجهون مصير بناتهن بشجاعة، لأنهم يثقون في أنهن ضحايا.
(م) كانت تعيش حياة طبيعية بين أفراد عائلتها في منطقة أمبدة غربي العاصمة السودانية الخرطوم، تذهب إلى فصول الدراسة صباحاً وتأتي حاملة واجباتها بغية مذاكرتها مساءً في منزل أسرتها. إلى هنا كانت تمضي حياتها على نسق متزن يسوده شيء من الفرح والمرح.
والدها المعاشي يكابد بين السوق والمنزل في رحلة يومية لا تخلو من المعافرة المستمرة، وبالرغم من معاناته فهو يعيش مستور الحال، ويبدو سعيداً بذلك.
لكن ابنته حين غفلة استحالت حياتها إلى جحيم، فجأةً صار ذهنها شارداً طوال زمن (الحصص) داخل الفصل، وبالها مشغولاً في الترحيل، تغدو وتعود صامتة لا تمازح زميلاتها ولا تنصت لما يقلن من حكاوى العلاقات والرسائل الغرامية، لدرجة جعلت بعض المقربات منها يلاحظن صمتها المثير وشرودها الدائم، لكنها مع ذلك احتفظت بسرها، تموت وتحيا به كل يوم حتى لا يطلع عليه أحد، كانت حبلى في أسابيعها الأولى.
يمر الشهر تلو الآخر، وكل ما مرّت أيام يشحب وجه الفتاة البريء، وتختفي ملامحها الطفولية النضرة ليكسو وجهها رهق وتغيّرات الحمل.
والدها الكادح يخرج فجراً ويعود ليلاً بالكاد عله يجد زمناً ليريح جسده المنهك، لا يكترث لمظهر أبنائه الخارجي.
والدتها وحدها من تقع على عاتقها مسؤولية رعايتها وتنبيهها لمخاطر سن المراهقة، لكن يبدو أنها غفلت حتى اكتشفت فجأةً سر تغيير طبيعة ابنتها ومعاملتها ووجدت حلاً للغز صمتها المريب، بعد أن برزت بطن الطفلة وزادت طلباتها داخل المطبخ بإقحامها لوجبات لم تكُ تشتهيها من قبل.
هنا سقطت والدتها أرضاً ولم تفق إلا داخل المشفى.
والدها وجد ظهره (مكسوراً)، لكنه واجه الأمر بقوة رغم الهزة النفسية القاتلة التي أصابته، توجه إلى قسم حماية الأسرة والطفل وأحاطهم علماً بما جرى لابنته مرشداً على من اغتصب ابنته عقب إقرار الضحية بمن فعل بها.
بدأت إجراءات الدعوى بإرسال الطفلة إلى الطبيب الذي أكد واقعة الاغتصاب وفاجأهم بأنها حبلى في شهرها الرابع، وكان المتهم على علاقة عاطفية بها.
قصة الفتاة التي اطلعت عليها (سودان فيرست) في محضر الوقائع، حدثت مطلع يناير الماضي، لكنها لم تكن الوحيدة، عشرات الحالات تغص بها سجلات الشرطة وأضابير محكمة الأسرة والطفل.
ونحن نتجول هنالك، سوف نحتفظ على ذلك الأسماء، للحفاظ على خصوصية هذه الحالات، حتى لا تتحول إلى فضائح وخراب، لكن سوف نطرق ناقوس الخطر، إذ ثمة فتاة أخرى أيضاً من مدينة حدودية، كانت تخفي بطنها بارتداء ملابس واسعة لكن في نهاية الأمر افتضح أمرها وأقرت بمن فعل بها بعد محاصرة قاسية من أسرتها، وصلت حد الاعتداء عليها، وتوبيخها، بعد حمايتها من شقيقها الذي توعدها.
وعندما أخبرهم الطبيب أنها في الشهر السابع، كانت الصدمة كبيرة، خصوصاً بعد اكتشاف الفاعل، الذي أوقفته الشرطة، وهو لم يذهب بعيداً في تبرير علاقته الجنسية مع الطفلة عن الحادثة الأولى (علاقة عاطفية) وما حدث كان بموافقتها، لكنه استدرجها إلى مخدعه، وحدث ما حدث.
بين الحلقتين، ظهرت مأساة أخرى لا تقل ألماً عن سابقتيها، كل هذه الأسر تنتظر بمزيد من الخوف والقلق، ولادة كفلاتها، أو فتياتها القصر، في سرية تامة، لتبدأ بعد ذلك مرحلة اصعب، وهي كيف مواجهة المجتمع، أو إجبار من فعل ببناتهن ذاك الاعتراف بالأبوة، وبعضهم يختار دور الرعاية، أو إبعاد الفتيات في أماكن أخرى غير معلومة لمعارفهم، إنه الترقب المحير، حيرة حد العجز أحياناً عن التصرف.
الطفلة صاحبة الخمسة عشر عاماً من سكان أحد أحياء شرق النيل في العاصمة الخرطوم، اكتشفت مأساتها وهي حبلى في أسبوعها الخامس والعشرين، بفعل (علاقة عاطفية) أيضاً وفق أقوال الجاني لدى التحقيق.
هذه وقائع قصص حقيقية دوّنت بلاغاتها لدى وحدات حماية الأسرة والطفل المختلفة في شهر يناير 2020، رصدتها صحيفة (سودان فيرست)، وهي تتشابه في ظروفها وملابساتها، نزوة عابرة تتحول إلى جريمة، أو دمار لأسرة في مجتمع لا يرحم أحداً، حتى من كان منهم بمعصية يرمي بحجر، لكن هروب الجناة لتبرير ما حدث بأنه علاقة عاطفية، يبدو كحيلة لمواجهة اتهامات الاغتصاب، ربما لتخفيف قسوة العقوبة التي تصل الإعدام وفقاً للمادة (45/ ب) من قانون الأسرة والطفل السوداني الذي وُضع في العام 2010م.