الخرطوم – سودان فيرست
نصف ساعة فقط، كانت فترة غياب (منال) عن أولادها، وهو وقت تغيّرت فيها أحوالها، بعد أن وجدت أقفال الباب قد تغيّرت، وابناؤها غير موجودين، بما فيهم ابنها الرضيع، مضت (منال) مسرعة إلى قسم الشرطة، ثمة أمر خطير وغير طبيعي، بدأت تصرخ في حالة هستيرية “أطفالي، أطفالي” لكنها فوجئت، بل صُدمت أن والدهم هو من قام بذلك!
لا مقهورة لا منهورة
قام طليقها والد الأطفال بهذا التصرف لأنه يدرك أن لا أحد سيمنعه، وأن القانون في صفه، ولذلك اهتدت منال إلى المحطمة، الأمل الأخير لاسترجاع فلذات كبدها، ولعل ما هو محير بالنسبة لها، هل ينتظر الرضيع حتى تنتهي إجراءات التقاضي؟
منال وغيرها من النساء، ذرفن أنهاراً من الدموع داخل المحاكم، في نزاع أسري عقيم، عادة يسبق الطلاق، وينتهي بالأبناء كضحايا، مجرد ضحايا لتعقيدات الحياة إزاء قانون الأحوال الشخصية، وفقاً لكثير من النساء، والمتعاطفين معهن، واللواتي يستدعين الآن، في مارس الأبيض، كلمات محجوب شريف “تحي تعيشي لا مقهورة لا منهورة لا خاطر جناك مكسور”.
نزاع على الحضانة
تزداد المطالبات بتغيير قانون الأحوال الشخصية للمسلمين لسنة 1991م أو الغائه، وتتسع دائرة الجدل وتتعاظم حوله نتيجة للمظالم التي تقع على كاهل المرأة من تطبيقه عليها في المحاكم وانعكاساته على واقع الأسر السودانية وتحديداً النساء والأطفال، خصوصاً المادة (15) (1) والمواد (119) و(120)، إضافة للمواد في قانون الجوازات والهجرة واللوائح المصاحبة لها المتعلقة باستخراج الأوراق الثبوتية للأطفال، ووجوب أخذ الإذن في حالة أصطحابهم بواسطة الأم.
هذه المواد وغيرها من مواد قانون الأحوال الشخصية كانت لها انعكاساتها السالبة على الأسر السودانية، وكانت سبباً لقيام (مبادرة كوني قوية) والتي سبقتها العديد من النداءات التي تنادي بحماية الأسرة السودانية.
كوني قوية
وما زالت المطالبات تتصاعد وتيرتها الى أن قامت مجموعة من المحاميات والناشطين وعدد من منظمات المجتمع المدني بإنشاء مبادرة (كوني قوية) لتغيير قانون الأحوال الشخصية وقد اختارت مارس (شهر المرأة) للضغط بتنفيذ مطالبها عبر الوقفات الاحتجاجية التي انتظمت بعدد من المدن العالمية ك(ملبورن وكانبري في استراليا)، وفي كندا اختارت الكنداكة أيضاً الثامن من مارس لرفع لافتاتهن ضمن فعاليات تورنتو والتي تشكل أكبر تظاهرة سنوية يشارك فيها حوالي ٢٠ الف مشارك من جميع أنحاء كندا، رافعات فيها شعار كوني قوية عالياً.
تزداد الاحتجاجات بعدد من الولايات داخل السودان والتي اختارت الثامن من شهر مارس لرفع مذكرة لدى وزارة العدل، لتسليط الضوء على الانتهاكات الواقعة على المرأة بسبب هذا القانون، وذلك بموجب أحكام الوثيقة الدستورية للعام 2019م والتي حددت مهام الفترة الانتقالية في المادة (8)، والتي تنص الفقرة الثانية فيها على إلغاء القوانين والنصوص المقيدة للحريات، أو تلك التي تميز بين المواطنين على أساس النوع. مع التركيز على المواد التي تنعكس على الأسر السودانية، والتي من أبرز آثارها اختطاف الأطفال بواسطة الأب.
عون المرأة
تحدثت الناشطة والمهتمة بالحقوق القانونية من منظمة عون المراة السودانية: نجاة محمود لـ(سودان فيرست)، عن اختطاف الأطفال، وقالت إن المنظمة مهتمة تحديداً بقضايا الطلاق والنفقة وقد توافقنا في تعريف الاختطاف الوالدي بأنه عبارة عن انتزاع قاصر (طفل لم يبلغ بعد سن الرشد) من حضانة أمه أو الموكلين قانونياً برعايته دون مسوغ قانوني.
ويمكن تصنيف مصطلح اختطاف الأطفال إلى مجموعتين قانونيتين واجتماعيتين؛ حيث تختلف كل منهما باختلاف مرتكبيها وهما: الاختطاف على أيدي أحد أفراد أسرة الطفل، أو الاختطاف الذي يقوم به أغراب عنه، أو اختطاف الأطفال على أيدي أحد الوالدين: تتمثل في انتزاع حضانة طفل دون وجه حق يقوم بها أحد أقربائه (عادةً الأب) في حال وجود خلاف بينهم، وبما يتنافى مع أحكام قانون الأسرة، ويحدث هذا النوع في حال الانفصال أو الطلاق، قد يضم هذا النوع من اختطاف الأطفال الأبوي الإبعاد عن الأم, وهو شكل من أشكال الاعتداء على الأطفال.
الأب الخاطف
وقد يحدث ذلك بأن يأخذ الأب الطفلة او الطفل بعد حكم المحكمة له بالاستصحاب او الضم، وذلك بأن يقوم باختطافه من المدرسة، وأحياناً من امام مكان إقامته، ولكن حينما تذهب الأم إلى المحكمة لاسترداد الطفل او الأطفال، يستغل الأب طول إجراءات المحكمة ويقوم بتعطيل الدعوى بكل الطرق، وبذلك قد تأخذ الدعوى سنوات بالمحاكم ويفقد المحضون رعاية أمه المنصوص عليها في القانون، حيث ينص قانون الأحوال الشخصية على أن الحضانة للأم في الأصل، ولكن يمكن للأب الذهاب الى المحكمة ورفع قضية ضم اذا بلغ الصبي السابعة والبنت التاسعة من عمريهما، وتدفع الأم حينها بالأصل لحضانة أطفالها. وكذلك هناك الأب الذي يختطف الطفل ويسافر به الى جهة غير معلومة، وتقوم الأم الحاضنة برفع دعوى بالمحاكم الشرعية. قد يكون هناك أمر بالقبض ولكن يصعب التنفيذ، وقد يعود الأب بعد سنوات ولكن لن تطاله يد العدالة على اختطافه لطفله الذي هو قانونياً في حضانة النساء.
تغيير القانون
وعن كيفية الخروج من هذه الإشكالية قالت نجاة، إن الحل هو إضافة مواد بالقانون تجرم اختطاف الأب للمحضون لأن الدعاوى الجنائية يبت بها سريعاً بعكس الدعاوى الشرعية، فإذا أضيفت مادة تجرم هذا الفعل فسيكون ذلك رادعاً للآباء الذين يقومون بالفعل، فضلاً عن ان سرعة الإجراءات الجنائية تعمل على سرعة إرجاع المحضون لحاضنته، وبهذا يمكن إطلاق يد الشرطة المغلولة لعدم وجود نص رغم اجتهادهم الكبير عبر أوامر التكليف.
في السياق نفسه، قالت الناشطة الحقوقية آمال الزين لـ(سودان فيرست)، ان هذه الوقفة الاحتجاجية، اليوم الأحد، لإلغاء قانون الأحوال الشخصية الذي يقوم على فلسفة التمييز ضد النساء والحط من كرامتهن وقدراتهن، وقالت ان القانون به كثير من المشاكل التي انتظمت معظم نصوصه عليهن، مطالبة بإسقاط قانون الأحوال الشخصية والاستعاضة عنه بقانون بديل يحفظ كرامة النساء ويصون ويعترف بهن كنواة حقيقية للمجتمع.
وقفة تضامنية
بالتزامن مع ارتفاع أصوات النساء، انتظم عدد من الوقفات التضامنية لتغيير قانون الاحوال الشخصية أمام كل من (البيت الأبيض) بأمريكا وعدد من السفارات في كل من (بريطانيا، ايرلندا، بلجيكا واستراليا)، اضافة الى وقفة أمام محطة أوسلو بالنرويج وذلك دعماً لمبادرة (كوني قوية).
وعطفاً على ذلك، كتب رئيس الوزراء عبد الله حمدوك تدوينة على صفحته بالفيسبوك بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، حيا فيها نضالاتها، مؤكداً على التزام حكومة الفترة الانتقالية بالمُضى قدماً في إنهاء كافة مظاهر التمييز المؤسسي والاجتماعي ضد المرأة، وذلك “سعياً لإيصال حقوقها المستحقة في كافة أرجاء الوطن”، كما جدد التزام الحكومة بتعزيز مشاركة المرأة في كافة مؤسساتها بالشكل الذي يعبّر عن دورها العظيم.
وقالت الناشطة الحقوقية وداد حسنين، إن مواد هذا القانون لا تطبق بشكل سلس في السودان، وتعد المرأة السودانية الأكثر ضرراً من الرجل، في حظر سفر الأطفال معها دون الأب، في حين أن الأب يستطيع السفر دون الأم، بل يحق لعم الأطفال التصريح لهم بالسفر، في حين لا يحق للأم، بل ويستطيع الأب اختطاف الأطفال ولا يجرم بعكس الأم، اما قضايا النفقة فيتم استغلالها من البعض بعدم الإنفاق عبر التحايل على القانون بالتراضي.. فلذلك فإن حكم النفقة يجب ان ينفذ دون تأخير من أجل رعاية الأطفال حتى يتمكنوا من توفير متطلبات حياتهم من مسكن ومأكل ومشرب وملبس وعلاج وتعليم.