الخرطوم- عثمان الأسباط
مع ارتفاع مؤشر القلق من تفشي جائحة “كورونا” في البلاد، تعتزم الحكومة فرض حظر التجوال الشامل والإغلاق التام للعاصمة الخرطوم والولايات بموجب الطوارئ الصحية المعلنة٠
وينتظر أن يلتئم اجتماع حاسم للحكومة الانتقالية غداً (الخميس) لبحث إمكانية صدور القرار مع وضع التدابير الاقتصادية اللازمة حال إجازة مشروع القرار.
في الأثناء، أصبح المواطنون في حالة ترقب لخطوة الحكومة، إلا أن مخاوف الغالبية تتركز على ما سيترتّب على معيشتهم، حيث يتوقع هؤلاء أن يؤدي حظر التجوال – حال إعلانه – إلى أزمة معيشية غير مسبوقة.
وكانت الأسواق قد شهدت خلال الأسبوعين الماضيين، موجة غلاء وصفها البعض بـ”الجنونية” بالتزامن مع إعلان حظر التجوال الليلي، حيث ارتفعت أسعار جميع السلع الاستهلاكية بنسب تتفاوت ما بين 60 ــ 40%، فيما برزت أصوات تُطالب بتشديد الرقابة على الأسواق، ووضع حدٍّ للمُضاربات في أسعار السلع، وحذّر مراقبون من استغلال التجار للظرف الصحي الذي تمر به البلاد، وتهديدات الوباء العالمي في زيادة أسعار السلع والتلاعب بها، وأجمعوا على أن الواقع يؤكد ضرورة فرض رقابة صارمة لضمان التزام التجار.
وقال وزير الثقافة والإعلام، الناطق الرسمي باسم مجلس الوزراء، فيصل محمد صالح (الخميس) الماضي، إنّ مجلس الوزراء ناقش، في اجتماع استثنائي، الإجراءات الاحترازية التي يمكن اتخاذها، لمجابهة فيروس “كورونا”، ومن ضمنها المطالبات بحظر التجوال الكامل، موضحاً أنّ المجلس قرر أن تتم هذه الخطوة على مراحل، وأضاف: “كلما شعرنا أن هناك درجة انتشار وحاجة إلى إجراءات احترازية، من الممكن أن تتم زيادة ساعات حظر التجوال، إلى أن نصل من خلال الإحصائيات للمرحلة التي نحتاج فيها إلى حظر كامل، فيمكن أن يُطبق”.
وتوقع الخبير الاقتصادي، عز الدين دفع الله حُدُوث حالة تضخم وركود في نفس الوقت بالأسواق، في حال توقُّف العمل بإعلان الحجر الصحي الكامل، وقال لـ(سودان فيرست): تطبيق إجراءات العزل الاجتماعي تتطلب توفير الدواء والغذاء لكل المُواطنين، إضَافَةً إلى تعويض المُنتجين الذين سيضطرون إلى منح عمالهم إجازات مدفوعة الأجر، وقطع في ذات الوقت بأنّ الواقع الاقتصادي والصحي للبلاد، يحتم تطبيق الحجر الصحي الكامل لتقصير فترة انتشار الوباء، فيما رأى أنّ مُواجهة نقص الإمدادات الغذائية يكون بالتكافل فقط.
ووصل عدد الحالات المُثبتة إصابتها بفيروس “كورونا” حتى (الثلاثاء) إلى “14” حالة، بجانب “189” حالة اشتباه، على الرغم من الاحتياطات والاحترازات الحكومية، بعد إعلان حالة الطوارئ الصحية في الأسبوع الأخير من مارس الماضي، والتي شملت إيقاف الحركة الجوية، وتعليق السفر بين الولايات، مع حظر التجوال الليلي في الولايات كافة، من الساعة الثامنة مساءً، وحتى السادسة صباحاً، وتم تعديلها لاحقاً لتبدأ من الساعة السادسة مساءً.
وعلى الرغم من الوعود الحكومية المبذولة، بتوفير الضمانات المعيشية الكافية، إلا أنّ المخاوف لا تزال قائمة، في وقتٍ توقع فيه وزير المالية إبراهيم البدوي، أن يؤدي الحظر الشامل إلى نقص في الإنتاج، وهو ما يستوجب من الدولة شراء كميات مهولة من السلع الغذائية والأدوية، وتوزيعها بكفاءة عالية، وأكّد في مقابلة صحفية أن وزارته اتفقت مع وزارة التجارة والصناعة، على أن تقوم بهذه الخطوة، مبيناً أنّ لديها برنامجاً معقولاً لآلية التوزيع، وأشار الوزير إلى أنهم يستعدون لتقديم دعم نقدي مُباشر للمُواطنين، بجانب السلع التموينية الأساسية، خلال أيام حظر التجوال المُرتقب، مع مضاعفة ميزانية قطاع الصحة لمقابلة الوضع.
في الأثناء، توقّع الأمين العام للجمعية السودانية لحماية المستهلك، د. ياسر ميرغني أن يؤدي الحظر الشامل إلى أزمة معيشية حقيقية، في ظل اقتصاد النُّدرة الذي تعيشه البلاد، وانعدام الضمير، وقال إنّ “على الحكومة أن تكون أكثر إنسانيةً” وتقوم بعمل منافذ توزيع مجاني لأبجديات الحياة “دقيق وعدس” على حد قوله، وتوقّع أن تُواجه الحكومة صُعُوبات عديدة في مسألة توزيع الدعم المادي المباشر، وعزا ذلك إلى تأخُّرها في تطبيق الشمول المالي، وأضاف: “لو أن كل مواطن لديه حساب بنكي كان الدعم المادي سيتم عبرها بكل بساطة”، ونبّه ياسر إلى أن 65% من المُستهلكين السودانيين، هم أصحاب المهن الهامشية “يعملون رزق اليوم باليوم”، الأمر الذي يستوجب دعمهم مادياً، وزاد: “ولو دعماً بسيطاً”، لافتاً إلى أن غياب الضمير وجشع تُجّار الأزمات بلغ مداه مع جائحة “كورونا”، على عكس ما حدث في دول العالم الأخرى، لذلك نحن لسنا مع الحظر الكامل للتجوال، لكن يُمكن للحكومة أن تمدد ساعات الحظر لتقتصر ساعات العمل على أربع أو خمس ساعات في اليوم.
من جانبه، كشف عضو اللجنة الاقتصادية، لـ”قِوى الحرية والتغيير”، كمال كرار، عن إعداد خُطة كاملة لمقابلة الإجراءات الاحترازية الموضوعة للتصدي لوباء “كورونا”، وقال إنّها استصحبت القطاع غير المُنظّم الذي سيتأثّر منسوبوه بالإجراءات الحالية والمُتوقّعة، بما في ذلك حظر التجوال الشامل، مُؤكِّداً في ذات الوقت أنّ حماية صحة الإنسان أهم من تسيير الحياة الاقتصادية، وأشار في حديثه لـ(سودان فيرست) إلى أنّ اللجنة وبالتنسيق مع وزارة المالية ستخضع كل الإجراءات للدراسة، مع النظر إلى تجارب الدول الأخرى، مُبيِّناً أنّ أهم ملامح الخُطة تتمثل في أن تضع الدولة يدها على الأسواق، وقنوات توزيع السلع الأساسية لتتولّى توصيلها للمواطن، وقال: “توزيع السلع سيكون مسؤولية الدولة”، بجانب تفعيل التعاونيات لتقليل فرص الاحتياج للأسواق، لافتاً إلى أنّ نفرة “القُومّة للسُّودان” هي واحدة من الحلول المطروحة لتمويل الإجراءات الاحترازية، بجانب إعادة النظر في بعض مصادر الإيرادات، وكذلك فتح الباب للشركات ورؤوس الأموال لتقديم إسهامات مُقابل حوافز يتّفق عليها، فَضْلاً عن تحفيز المُغتربين لتحويل مُدّخراتهم عبر القنوات الرسمية.