سودان فيرست ـــ الطيب إبراهيم
بعد سنوات طويلة من الآن، ربما لن يعود تاريخ الثالث والعشرين من أبريل، شاهداً على حادثة انهيار دولة واحدة، فرغم تهاوي الممالك القديمة والحديثة، منذ العصر الطباشيري وإلى العصر الحديث، فإن نصيب الثالث والعشرين من أبريل كان سقوط دولة بني أمية في التاريخ نفسه من العام 749م. ولأن العالم أصبح مقيداً بقوانين، قلّلت كثيراً من فرضية انهيار الممالك والإمبراطوريات، كان بإمكان الثالث والعشرين من أبريل أن يخرج من الدنيا بحادثة انهيار وحيدة، لولا أنه في ساعاته الأخيرة وفي آخر الأزمان شهد انهيار إمبراطورية من نوع آخر.. إمبراطورية لديها ملك بلا حاشية وأراضٍ بلا علم، لكنها تضم جيشاً من الانتهازيين و(المبرراتية).. لقد آثر الثالث والعشرون من أبريل أن يكون شاهداً على انهيار إمبراطورية عبد الباسط حمزة. الرجل الذي استحوذ على أراضٍ تعادل مساحتها دولة مدغشقر، وحاز على نحو ما على كل المعالم الحضرية والسياحية بالعاصمة الخرطوم، وتوغل حتى في قطاع الاتصالات والفنادق والعقارات والأراضي الزراعية والمروية والسواقي، وانتهى به المطاف حائزاً على ملايين الأفندة وآلاف الهتكارات بالولاية الشمالية، وتسبب الرجل بطريقة ما في القفز بأسعار الأراضي بالخرطوم إلى أسعار خرافية، حتى أن ثمن أرض مساحتها (400) متر بأطراف الخرطوم يمكن ان تبني لك قصراً في شارع الشانزليزيه الشهير في باريس. لم يُعرف عن عبد الباسط حمزة، سوى أنه كان ضابطاً صغيراً في جهاز الأمن، نهاية الثمانينات، وحين قفز الديكتاتور الأكبر للسلطة نهاية الثمانينات، وجد الرجل، البيئة الخصبة التي يمكن أن ينمو فيها، ومنذ ذلك التاريخ، مروراً بقصته مع أسامة بن لادن، بنى عبد الباسط حمزة أكبر إمبراطورية تحت شمس السودان، وتوارى هو عن الشمس التي لم تستطع حجب إمبراطوريته.. يا للعجب!!
الصورة الوحيدة المتداولة للرجل، توضح أنه في نهاية العقد الخامس من عمره، وهو عمر لا يزال أنداده يعافرون للحصول على مقعد في المواصلات، وهم أكثر تعليماً وأكثرهم دراية، لكن الرجل، الذي لم يعصمه عاصم ولم يمنعه حاكم، استمر في بناء إمبراطورية من دماء الغلابة والمقهورين، حتى إن ثمن العقارات والأراضي التي يملكها فقط تجاوز الملياري دولار، يحدث ذلك في بلد نصف سكانها على هاوية الفقر، والنصف الآخر على هامش الحياة. عفراء مول.. فندق السلام روتانا.. فندق قصر الصداقة.. شركة (أم تي أن).. أراض ومزارع.. عقارات وأموال سايلة.. شركات ومولات.. استثمارات داخلية وخارجية، كل ذلك حدث ويحدث أمام أعين أمير المؤمنين عمر البشير، الرجل الذي قال إنه جاء لإعلاء كلمة الله في الأرض، فهبط بكلمة الله تحت الأرض وارتفع هو.. يا للعار!! بعد سنوات من الآن قد يأتي من يكذب الرواية، وقد تُصنف إمبراطورية عبد الباسط حمزة كجزء من حكاوي الميتافيزيقيا، على شاكلة الغول والعنقاء..لأن الحاضرين للمشهد الآن تنتابهم الشكوك بشأن كيف لرجل حيازة أراض تعادل مساحتها مساحة دول لها أعلام وجيوش وسفن تمخر عرض البحر وعملة ونشيد وطني.. كيف لرجل واحد أن يحوز على كل ذلك، من يصدق ذلك..؟!
هذا البروفايل غير المنسق، للرجل الظاهرة، كٌرة نقذفها في ذاكرة المستقبل تحوطاً للنسيان.. من المهم معرفة أننا كنا شهود على تهاوي الإمبراطورية غير المرئية لعبد الباسط حمزة.. وأن تاريخ الثالث والعشرين من أبريل مثلما حفظ عبر آلاف السنين ذكرى سقوط الدولة الأموية، يجب أن يحمل ذكرى سقوط إمبراطورية عبد الباسط حمزة.. حتى لا تنسى الأجيال اللاحقة، أن هناك رجلاً حاز على كل شئ، للدرجة التي جعلت البعض يتحسس ملابسه خوفاً من أن تكون ملكاً لعبد الباسط حمزة..!!