سودان فيرست
أتانا الشهر الفضيل، ونحن اُمة محررة من براثن نظام كان مطبقاً بفكيه على عافية الوطن، وعلى الرغم من الضغوط الإقتصادية التي تعاني منها البلاد والكارثة الوبائية التي اجتاحت العالم، إلا أننا نحمد الله كثيراً ونشكره على نعمة التحرر والوحدة التي سوف تجعلنا نجتاز جميع هذه المحن بالتكاتف والوعي إن شاء الله.
أتانا رمضان، ونحن نجتر الذاكرة بتفاصيل دقيقة تحمل النقيضين (الفرح والحزن)، كانت على أرض الاعتصام بالقيادة العامة.
نذكر فيها الآن جميع الشرفاء.. كل من خطّ على التاريخ سطراً بالدماء، وكل من صاح في وجه الظلم لا.
نذكر تماماً تلك الملامح السمراء المُتعبة والمُرهقة من السهر، والتي كانت على الرغم من ذلك مُشعة بوهج النضال ومُفعّمة بالآمال العراض، وأصحابها يصولون ويجولون على أرض الاعتصام، يقدمون الإفطار وما جاد به شرفاء الوطن من وجباتٍ، وما جادت به وجوههم من بسمات وهِمّة، في لوحة أقل ما تُوصف بأنها ثورية رائعة حملت توقيع (سودان جديد).
استقبلنا رمضان العام الفائت، وأعناقنا تضاهي الجبال شموخاً، ونفوسنا تطال السحاب أملاً، فشممنا عبق الحرية، وجنينا ثمرة نضالنا.. فكانت تلك الأيام تجسد عظمة وشموخ الإنسان السوداني، حيث كانت أرض الاعتصام سُوداناً مُصغّراً يضج بالسماحة، ويشتعل بالبهاء.
مشاهد كانت تُظهر السودان الحقيقي الذي طمس ملامحه (الإنقاذيون) عمداً مع سبق الإصرار، ليأتي الشرفاء فيعيدونه سيرته الأولى كما ينبغي.
مشاهد عكست انصهار كل ألوان الطيف السياسي في وطني، وكل السحنات والديانات فقط من أجل الوطن.
تلاحمت المدن والأماكن، فما بين قطار عطبرة وموكب غربنا الحبيب، اشتعلت النفوس بركاناً من الحماس، زاده لهيباً ضربات النوبة وهتاف الطرق الصوفية، وأكسبه رونقاً زغاريد الكنداكات وغناء الأطفال، وما بين فرسان الشرق وعظماء الشمال، وصل النضال ذروته، ليأتي أبناء الوسط رافعين رايات المحبة والوفاق، فتكتمل بذلك اللوحة الوطنية الخالصة.
كان رمضاناً استثنائياً بنكهة لم نعهدها من قبل، واستمر زاهياً إلى أن امتدت أيادي الغادرين من منسوبي النظام السابق لتتلوث كعادتها، سافكةً دماء الأبرياء الطاهرة، متلذذة بقتل الشرفاء، فكانت (مجزرة رمضان القيادة)، وليست بغريبة عليهم تلك المجازر الرمضانية، فهم لا يراعون حرمة ولا ديناً.
قُتل الشرفاء على مشارف (التروس)، وداخل خيامهم، وعلى أرصفة الشوراع وهُم نيام، يحلمون بغدٍ مُشرق، قُتلوا بلا رحمة، لأنهم طالبوا بالحرية وأرادوا وطناً معافى يسع الجميع بلا محسوبية، قتلوهم لينقشوا على خاصرة الوطن جرحاً لن يندمل وعلى نفوسنا حزناً لن يُمحى إلا بالوصول لما اُستشهد من أجله أولئك الأبطال، حيث حمّلونا دَيناً على أعناقنا يحتاج تكاتفنا من جديد لسداده.
رحم الله شهداء الثورة السودانية العظيمة، ونسأل الله تعالى أن يجعلهم من أصحاب اليمين، فقد كانوا هم الثورة، ومن أجلنا ارتادوا المنون.. إذن فلنُحيي ذكراهم ولنترحّم عليهم في هذا الشهر الفضيل.. رحمهم الله.