سودان فيرست ــ الطيب إبراهيم
استيقظ مواطنو ولاية الخرطوم، صباح اليوم الجمعة، مُنتشين عقب سهرة رائعة كان بطلها بإمتياز لجنة إزالة التمكين، التي استردت جزءاً يسيراً من مالهم المسلوب، وأعادت كبرياء ملايين المُعدمين، من كانوا يرون منسوبي النظام البائد يتطاولون في البنيان، بينما هم يلهثون في الأرض بحثاً عن لقمة من طرف السوق لأطفالهم الجياع. اليوم كان سيمضي بإنتشائه هذا لو لا أنّ خبراً أربكهم دون أن يجدوا الإجابة الشافية حتى صباح اليوم الجمعة، و(الربكة) بدأت حين أعلنت قناة العربية مساء الخميس، خبراً صغيراً أسفل الشاشة يُفيد بتمديد السلطات السودانية لحظر التجوال لثلاثة أسابيع أخرى.. الحكومة السودانية من جانبها وحتى اللحظة لم تثبت صحة الخبر أو تنفيه، يحدث ذلك بعد ساعات قليلة من اجتماع اللجنة الإعلامية، الذي أكد حق الشعب السوداني في تمليكه الحقائق والمعلومات.
الأسئلة معلقة هنا، في وسائل التواصل الاجتماعي وفي البيوت بلا إجابات، الكل يسأل، هل تم تمديد حظر التجوال أم لا..؟ والإجابة واحدة، سمعوا ذلك في قناة العربية، وعلى مدار سني الإنقاذ، حصّن السودانيون لحدٍّ ما أنفسهم من الشائعات، بحيث أن الأخبار ذات المصدر الواحد لا يعتدون بها، ولما كان الخبر منشوراً في قناة العربية فقط، بدأت معركة اللهث خلف مصادر أخرى، لكن بدون نتيجة. فخبر التمديد حتى الساعة، غير موجود في وكالة السودان الرسمية للأنباء، وغير موجود كذلك في الصفحة الرسمية لوزارة الصحة الاتحادية، ولم تشر صفحة اللجنة العليا للطوارئ الصحية إليه من قريب أو بعيد، وكذلك مجلس الوزراء والمجلس السيادي، جميع المنافذ الحكومية لم تَنفِ خبر قناة العربية ولم تؤكده، يحدث ذلك قبل أقل من (24) ساعة من انتهاء أيام الحظر المحددة بثلاثة أسابيع. قناة العربية، ولاعتبارات كثيرة، أقرب كثيراً للموقف الرسمي السوداني من قناة الجزيرة، ما يعني أنها تحصلت بطريقة ما على الخبر من مصدر داخل صناع القرار السوداني، وهو السبب بحسب مراقبين، الذي يجعل خبرها لا يزال صامداً من مساء الخميس دون أن يجرؤ أحدٌ على نفيه.. خبر قناة العربية، يبدو بحسب مراقبين، كطوف الاستطلاع في العقيدة العسكرية، يستكشف الأوضاع ويقيس المخاطر والمزايا وردة الفعل ويُمهِّد الأرض للقادم الجديد، من هذه الزاوية يقرأ مراقبون تفرد قناة العربية بالخبر، إذ ليس ممكناً أن تقوم الوكالة الرسمية بنشره أو صفحة وزارة الصحة، لكونه ساعتها يصبح قراراً رسمياً وحقيقياً، لكن تفرد قناة العربية بالخبر، أحدث ربكة وغموضاً في المشهد. الموقف حتى الآن يمضي في اتجاه التمديد، بالقياس إلى الأوضاع على الأرض، حيث لا يزال الوباء يتمدد، والأكثر خطورةً، انه بدأ يكسب أراضٍ جديدة لأول مرة، ما يتعذّر معه عملياً إنهاء الحظر، سيما وأن الخرطوم التي عانت ولا تزال، ستضربها موجة جديدة من الوباء حال تم رفع الحظر مثلاً وأغلقت الولايات الأخرى، لأن الحدود شاسعة بينها وبين الولايات، فبدلاً من الموجة الأولى التي التقطت فيها الخرطوم، العدوى من خارج السودان ستضربها موجة ارتدادية، حين يعود إليها الفيروس في رحلة إياب من الولايات. لهذا السبب يدعم أطباء، قرار تمديد حظر التجوال، وبالقياس إلى التلميحات الحكومية، فإن التمديد أقرب كثيراً من إنهاء الحظر. من المؤكد أن العشر ساعات القادمة ستضع حدّاً نهائياً لهذه الربكة، وسيستبين الموقف بشأن التمديد أو الإنهاء، أما الآن فلا أحدٌ يملك إجابة سوى من مصدر يتيم تفردت به وسيلة إعلام وحيدة، قد يصدق خبرها، وقد تحدث تطورات داخلية تكذبها، وقد يسلك الموقف الرسمي السوداني طريقاً ثالثاً بين التمديد لثلاثة أسابيع أو الإنهاء، يكون ذلك عبر تقليص المدة إلى أقل من الفترة المعلنة أو الرجوع للحظر الجزئي.