الخرطوم ـــ سودان فيرست
فتية مجهولون يعملون من خلف الكواليس وداخل الغرف المغلقة طيلة أيام الحراك الجماهيري وبعده، صنعوا ثورة عظيمة دون منٍّ أو أذى، عبّدوا الطريق أمام الجماهير الغفيرة، فامتلأت الشوارع بفضل مواصلة ليلهم بنهارهم، اجتماعات تعقد وتفض، ثم مواكب ومسيرات هادرة في شوارع الخرطوم وكل السودان.. ملاحقات أمنية، اعتقالات، ضرب وتنكيل وتعذيب، يحاكون الصحابة في صبرهم، كان جلاديهم يرتعدون مثلما يرتعد العقاب الهرم أمام فريسته الشرسة، شباب لجان الأحياء تحملوا كل الأذى حتى تحقق النصر بعد ان أسقطوا النظام المقبور وأفشلوا كل مخططات سرقة المشهد من قبل المجلس العسكري وصولاً لتوليفة الحكم الآن
كانت الثورة تحاكي فيضان النيل ترتفع مناسيبها ثم تنخفض، لكن شبابها الثائر لم يعرف الإحباط إليه سبيلاً، رغم البطش والتضييق كانوا يبثون الأمل في نفوس السودانيين المتعبة والمرهقة بسبب الغلاء الطاحن والبطش والمحسوبية والفساد، لم يكن أمامهم من خيار سوى إسقاط النظام، أو دونه موت جليل درب كل الشرفاء، يصنعون كل يوم ثورة ويبتكرون أساليبها، فكانت الساعة الواحدة بتوقيت الثورة وحملة “حنبنيهو” وإطلاق اسم الكنداكة على الثائرات.. استدعوا تاريخ الأجداد والآباء فكانت أساليبهم في الفعل الثوري مثلما كان يفعل علي عبد اللطيف وعبد الفضيل الماظ وأعضاء مؤتمر الخريجين، يحاكون السيول الجارفة كانت مواكبهم تهبط فجأة على أرض الميعاد المدونة في جدول تجمع المهنيين السودانيين لم يتأخر أي موكب من المواكب من الميقات المتفق عليه مسبقاً يفاجئون حتى القوات المحتشدة في الطرق والميادين، يخرجون عليهم من حيث لا يحتسبون ومع أول زغرودة تطلق حناجرهم الهتاف الشهير (حرية.. سلام وعدالة.. الثورة خيار الشعب) ويتبعونه بالهتاف العبقري الملهم (تسقط بس) حتى تحقق حلمهم بالسقوط الأول والثاني والثالث بإفشال المخطط الذي كان يعقب مجزرة فض الاعتصام، ولعل شباب اللجان مازالوا يناضلون من أجل تحقيق أهداف الثورة كاملة غير منقوصة بإصرار وهم ينزلون شعارات الثورة على أرض الواقع.
وكما كانت لجان المقاومة تخطو بخطوات مدروسة نحو كتابة آخر حرف من قصة نظام الإنقاذ البائد، واصلت في ذات الصراط المستقيم للمساهمة في بناء الوطن الذي كانوا يحلمون بتحقيقه، فقد انخرطت لجان المقاومة في إنجاز العديد من الملفات الخدمية بعد تكوين بعضها في مسمى جديد “لجان التغيير والخدمات” كانت لها إنجازات مشهودة في توفير بعض السلع، مثل الخبز، حيث ساهموا بمجهوداتهم في القضاء على الأزمة، الجميع كان يشاهدهم وهم يستخدمون بروتوكولات جديدة ولطيفة في إيصال الخبز للمنازل وتنظيم التوزيع، وقبلها كانوا هم المشرفون على عملية مراقبة الدقيق ومن ثم المشرفون على تلك العملية حتى انجلاء الأزمة.
مشهد آخر رسمته لجان المقاومة في تنظيم ومراقبة محطات الوقود، وتوزيع سلع تموينية أخرى مثل “السكر المدعوم” الذي شهدت عملية إيصاله حكايات طويلة من التفاني والعزيمة.
ومع تفشي وباء كورونا، أكدت لجان المقاومة عظمة تنظيمها الفريد، كانت سباقة في عمليات التوعية وتوزيع المعقمات، كانوا يجوبون الشوارع والمحال التجارية والمساجد، يحذرون من خطورة المرض ويقومون بعمليات الرش الوقائي، كذلك كانوا في خط الدعم الأول للأطباء والكوادر الصحية، كان ينشرون ثقافة التباعُد الاجتماعي لتقليل شدة الوباء بكل محبة ولطف، لم يلتفوا كثيراً لعمليات التشويه المتعمدة التي حاول بعض الفلول إلصاقها بهم، كانوا يردون البيان بالعمل الذي بدد كل ادعاءات منتقديهم.
وعلى صعيد آخر، لم تتكالب لجان المقاومة على المناصب كما فعل آخرون، بل ظلت تمارس دورها وهي حارس الثورة الأمين، كانت تضغط لتحقيق مطالب الثورة في الحرية وتحقيق السلام بالإضافة للعدالة والقصاص للشهداء وسلسلة المواكب المتواصلة خير دليل، كما أنها ألقت على عاتقه مطاردة فلول النظام المقبور وكشف مخططاته الخبيثة، كانت الراصد لتحركات المشبوهة في الخرطوم وكوستي وعطبرة وغيرها من المدن السودانية.
عموماً وكما يقول مراقبون، تظل لجان المقاومة في السودان قلب الثورة النابض العصي على الاستقطاب أو الانحراف.. فهؤلاء الشباب هم من أنجز الثورة وهم الآن من يقودون الدولة لبر الآمان ليحققوا حلمهم المُرتجى.