سودان فيرست ـــ محمد الأقرع
درجة النجومية بالتأكيد تختلف وتتفوّق بمقدار على درجات الشهرة والمعرفة، لأن النجم أسمى وأعلى قيمة أو (عتبة) من الشخص المشهور أو المعروف، فالنجومية تعني فيما تعني التألق المتواصل عن استحقاق في مجال مُحدّد، يُصاحبه اعتقادٌ تامٌ من قبل الناس بمقدراتك وافتتانهم بك لدرجة التقليد ومُتابعة أخبارك، أما الشهرة والمعرفة صفة قد تمنح للظالمين والمجرمين ومن شابههم وشب على أثرهم، وأيضاً يشترك فيها المعتدلون ما فوق ذلك.
النجم دائماً شخصية تُرمز للخير ويهتدي ويقتدي بها، ولا يشترط حصر النجومية في مجالات الغناء والفنون كما سائد هنا في المحيط السوداني، بل تتواجد في شتى المجالات (السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، العلمية، الفكرية والرياضية …إلخ)، كذلك لا يمكن حد النجومية في نطاقات جغرافية معينة، فالواقع أثبت أن هنالك نجوماً على مدار المسيرة الإنسانية تجاوزوا دائرتهم المجتمعية بإطارها المكاني إلى آفاق أوسع امتدت على سعة الكرة الأرضية وتلاقوا مع أمزجة الشعوب باختلافاتها، والنماذج في ذلك كثيرة مثل (كارماركس، بوب مارلي، ماردونا، مانديلا، جيفارا …الخ).
البحث عن معايير تُقاس بها درجة النجومية موضوع من الصعب الإلمام به في مساحات الصحافة الضيِّقة، لأنّ اختلاف المجالات له تأثيره، والمجتمعات أيضاً لها تقييمها الخاصة، علماً بأن النجومية يمكن تقسيمها على ثلاثة أبعاد: النجومية المحلية والنجومية الإقليمية والنجومية الإنسانية أو الدولية، وعلى ذلك مواصفات النجم في المجتمع المحلي تختلف عن النجم في الإطار الإقليمي والدولي، فهي درجات متفاوتة بمدى الموهبة والعطاء و(الكاريزما).
متطلبات النجومية
النجومية مرتبة، الوصول إليها كما يتم من خلال معايير ومواصفات محددة، أيضاً لديها عدة متطلبات تستلزم البقاء فيها والمحافظة عليها، ولعل أول المتطلبات استمرارية عطاء النجم، سواء كان ذلك بتجديد المنتوج أو مواصلة الاستفادة من الذي قُدم أصلاً، فمثلاً ما زال شعراء الحقيبة متألقين رغم تعدد السنوات ووفاتهم.
وفي السياق، يقول بعض النقاد، إن مسألة الإتاحية والظهور تلعبان دوراً كبيراً في الحفاظ على بريق النجومية، فالإطلالة الكثير مضرة، وقد تبدر من النجم أشياء عفوية يتم توثيقها وتفسيرها ونشرها في وسائط التواصل الحديثة بدون انتباهه لذلك. بالمقابل، يحذر النقاد كذلك من خطورة الانغلاق على الذات والتواري عن الأنظار والحبس في البروج العاجية والإصابة بداء النرجسية والغرور الذي كما يشيرون قد يتسبب في النسيان، ويقترحون الموازنة بين الجانبين (الإتاحية والانحباس)، وتظل مسألة الظهور عملية تقديرية متروكة للنجم متى ما دعته الضرورة أو أحس النسيان.
ومن المتطلبات الأساسية أيضاً للنجومية، الصورة الانطباعية الجميلة والسلوك المعتدل وهي الفارقة☘️ الرئيسية في مسألة التأثير في المجتمعات، لأن النجوم في الأساس أشخاص يهتدي بهم البشرية فما لم يكن على درجة عالية من الصفاء والصدق في المخيلة الجمعية فلن يتجاوزوا حدود الشهرة فقط.
مساهمات وأدوار النجومية
النجم بعد اكتماله وتبرجه المكانة السامية، كذلك هناك مطالبات يستوجب القيام بها تجاه من حوله، وجميعها ينصب حتى خانة تسخير النجومية في خدمة الآخرين سواء كان ذلك من خلال تبني المبادرات الإنسانية بالوقوف مع الفئات الضعيفة في المجتمع معنوياً ومادياً، أو الترويج للقيم النبيلة والحث على فعلها، والواقع يكشف لنا أن هنالك نجوماً على مستوى العالم ساهموا بأدوار عظيمة خارج نطاق تخصصاتهم، استفاد منها الكثير مثل المساهمة الكبيرة التي قام بها لاعب كرة القدم الايفوراي (ديدي دروغبا) في إيقاف الحرب ببلاده وإحلال السلام، وأيضاً الأدوار الإنسانية التي تقوم بها الممثلة الامريكية (انجلينا جولي)، وعلى المستوى السوداني يؤكد لنا التاريخ أنّ هُنالك نجوماً قدموا إسهامات كبيرة في عدد من القضايا، وكان أبرز أولئك رجالات الطرق الصوفية والمنشغلون بالفكرة والآداب والفنون.
أخيراً
لا يختلف اثنان أن الوضع في السودان مازال يشهد هرجلة تصنيفية، وتطفيفاً في موازين القيم الصحاح التي تُقاس بها النجومية.. فوسائل الإعلام ما فتئت من تقديم أشخاص باعتبارهم نجوماً وهم لا تتوفر لديهم أي نوع من المواهب والتميز، وجهلت تلك الوسائل أن مسألة صناعة النجوم موضوع أثبت فشله، لأن النجم الحقيقي لا يحتاج الى إعلان او تسويق، فهو الذي يصنع نفسه، وموهبته وعطاؤه هما اللذان يروجان له.
عموماً، الساحة أو سماء السودان على إطلاقه الآن خالية من النجوم ما عدا نذر قليل من الفنانين والكُتّاب وبعض العلماء والإداريين والسياسيين الجُدد، لكن بالمقابل وعلى النطاقات الموغلة في المحلية، هناك نجوم ينيرون عوالمهم البسيطة ويتخذه الناس “زمريات” للخير والفضيلة والاقتداء.