يُسيئني جداً الهجوم غير المُبرر والمستمر الذي يتعرض له وزير الصحة د. أكرم التوم، فرجل بتلك المزايا والمَقدرات قلّما يُجيد بمثله الزمان، وليس المقام مقام “تطبيل”، ولكن أزعم أنها الحقيقة التي لا يراها كثيرون بسبب العطب الذي أصاب نظرهم من كثرة “هاشتاقات” الإقالة التي تُلاحق الرجل كلما فتح فمه وصدح بالحقيقة، والهجوم عليه كلما أقر بالعجز في أمر ما، لأن الحقيقة البديهية هي ليست فشل الوزير في إدارة قطاع الصحة، وإنما أزمة اقتصادية طاحنة ظهر أثرها بجلاء في الصحة لأنها الأكثر حوجة للنقد الاجنبي “الشحيح” في التعاملات الخارجية في استيراد الأدوية وغيرها.
كثير من التصريحات التي يدلي بها وزير الصحة تؤخذ على ظاهرها وتجري بها ركبان الأسافير بكل جهل، كان آخرها الحديث الذي أدلى به د. أكرم التوم لوكالة السودان للأنباء، المتعلق بأن قرار فتح المطار لـ(48) ساعة هو الذي أدخل “كورونا” إلى السودان، وأن وزارة الصحة لم تكن جزءاً من ذلك القرار، لا أرى عاقلاً ينتقد الرجل لأجل ذلك الكلام البديهي المنطقي، وليس هو أول من يقول بذلك، فقبل يومين قال مدير سلطة الطيران المدني إبراهيم عدلان في تصريح للتلفزيون القومي إنّ أسوأ قرار تم اتخاذه إبان الجائحة هو فتح المطار لـ(48) ساعة، مؤكداً أنه كان قراراً قاسياً مازالت البلاد تدفع ثمنه حتى الآن من صحة أبنائها.
هذه المعارك المفتعلة بين وزير الصحة وجهات أخرى بين الفينة والأخرى، تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن هنالك مستفيدين من إشعال الخلافات بين الوزراء، ولا أقول وراءها فلول النظام السابق فحسب، بل أذهب أبعد من ذلك للتأكيد على أن “الكيزان” في هذه البلاد أكثر من “الثوار” بكثير إن لم يكن في العدد ففي الأفكار المعطوبة والعقيمة في رؤوس الكثيرين.
للأسف على الرغم من أن الذين خرجوا وساهموا في إنجاح هذه الثورة كانوا كثيرين، إلا أنه وبمرور الوقت اتضح أن الصادقين منهم كانوا قلة، وهذا ما يتضح بجلاء في العوالم الافتراضية التي تضج بالهجوم والسخط على حكومة الثورة، ولا أعتقد أن ذلك السلوك يأتي من شخص مؤمن بالتغيير الذي حدث وداعم له، وإن كان ذلك كذلك فسيكون همّه أن تنجح هذه الحكومة أو تنجح ولا خيار ثالث.
ولمن ينادون بإقالة بعض الوزراء أقول إن التغيير ينبغي أن يبدأ من أنفسنا ومجتمعاتنا الصغيرة أولاً، فما تقوم به لجان المقاومة من خدمات في الأحياء هو أصدق مثال على أن المجتمع دوره أعظم من الحكومة في بعض الأحيان.