سودان فيرست ــــ محمد الأقرع
لا شك أن النقد هو عملية إبداعية منفصلة بذاتها، وعلم له قواعده وأسسه وليس كما يفترض البعض بأنه عمل متصل بفن آخر (موسيقى، مسرح، شعر …الخ) وملحق به، قد يكون أحياناً ذا صلة ولكن هو بالتأكيد فن موازٍ، فضلاً على أنه لا يغيب بهبوط الأعمال الأدبية الأخرى أو عدميتها، وإذا حدث ذلك مثلاً تكون مهمة الناقد اكتشاف أسباب الردة والهبوط أو توقف الحركة الفنية، بالاضافة إلى أن الأعمال الأدبية سواء كانت هابطة أو صاعدة تعتبر أرضاً خصبة للناقد لقراءة المجتمعات والتحولات القيمية والمفاهيمية واللغوية التي تحدث فيها.
وفي تبسيطٍ غير مُخلٍ، يرى المراقبون أن النقد استعراض ظاهرة في ظاهرة أو عمل بشكل دقيق وعميق يبيِّن خلاله الإيجابيات ونقاط القوة وكذلك يوضح السلبيات والتشوهات المضعفة ومن ثم يحاول إيجاد بدائل أو حلول للهنات إذا أمكن، وفي هذه المراحل يبرز الناقد مهاراته الاستنباطية والإبداعية في كشف الإضاءات ومكامن الجمال ويتحدث أيضاً عن الإخفاقات ومخابئ العتمة.
ويقول المتابعون رغم أن النقد أصبح علماً يدرس في العديد من المؤسسات المعنية بالفنون والآداب، وأضحى يوجد الآن نفر كبير من المتخصصين في المجالات الفنية المختلفة (نقاد مسرحيون، نقاد موسيقيون، نقاد تشكيليون …الخ) لكن ما زال هذا المجال لا يلقى الاعتراف المطلوب من المبدعين وثم الجمهور، وعادةً ما يتم تحليل ما يكتبونه في خانة العداء والاستهداف لدوافع شخصية، ويستدلون بعدد من الوقائع والتصريحات التي يدلي بها بعض المبدعين حين يسألون عن النقاد وما يقدمه تجاه أعمالهم يبدون امتعاضهم وأكثرهم رزانة يردد المقولة الثابتة (أنا مع النقد البنّاء)، علماً بأن كل ما لا يعجبه يصنف في مربع (النقد الهادم).
ولعل أدباء كبار لم يستطيعوا الانعتاق من هذه الحساسية، الأديب الراحل الطيب صالح حين سُئل عن النقد الذي يقدم له قال: (أجمل النقد ما كتب عن محبة، فإذا أحببنا الناقد فسيكتب عنا جيداً، وإذا استمعت لكلام النقاد فلن أكتب شيئاً، فالنقاد قد لا يحبونني وبالتالي فلن يشجعوني وقد لا يكون لدي أصدقاء نقاد، فالنقاد الرجال يطبلون لبعضهم، لذلك فعلينا ان نترك المشاكسات والغيرة وان نتحد ما دام الرجال يقولون: إن كتابتنا ضعيفة وعلينا أن نُروِّج لأنفسنا كما يُروِّجون لأنفسهم). يرجع مهتمون بالشأن الأدبي أن أسباب هذه الحساسية تعود إلى الطرفين، لأن ظهور نقاد غير جادين ويدورون في فلك الشخصية، يعزز ارتفاع معدلات الرفض ككل من الجهة الأخرى، كما أن أغلب المبدعين يتعاملون دائماً مع منتجاتهم الأدبية بالعقلية الأبوية التي ترفض المساس والتجريج.
أما مسألة صكوك الاعتراف المتبادل كما يرون فهي حق غير مكفول لكليهما (الناقد والمبدع) لأن هذا الاعتراف يمنحه فقط المتلقي سواء كان قارئاً أو مشاهداً أو مستمعاً. ويعتقد المراقبون أن الجمهور وحده والذي لا تجتمع ذائقته على الخطأ هو صاحب حق التنصيب ومنح صك القبول، وعلى ضوء ذلك ينبغي على المبدع تقديم الجيد وعلى النقاد تبني المنطق والعمق.