سودان فيرست ــ تسنيم عبد السيد
بالرغم من ارتفاع حالات الإصابة بـ(كورونا) حول العالم، إلا أن كثيراً من الدول بدأت في رفع الحظر التدريجي لتجنب الوقوع في أزمات اقتصادية خانقة، مع الأخذ في الاعتبار أن رفع الحظر لا يعني عودة الحياة إلى طبيعتها، أو انتهاء الجائحة، بل يعنى انتقال المسؤولية من الدولة إلى الأفراد، فالفرد يصبح مسؤولاً عن نفسه وأسرته ومجتمعه في هذه الفترة، وسيتوقف شكل الحياة مستقبلاً على مدى تحملنا للمسؤولية، وفي السودان مضى أكثر من شهرين على تطبيق الحظر الصحي وتعطلت مصالح الناس وتضرر كثير من أصحاب المهن المتواضعة والأعمال الحرة وشحّت أرزاقهم، في مقابل آخرين تضررت أحوالهم النفسية بفعل الملل والروتين والتواجد في مكان واحد بلا خروج أو تنقُّل، بين هذا وذاك ما واقع الحال بعد رفع الحظر الصحي.
البعض يعتبر أن هذا الحظر كان فرصة سانحة لمعرفة أهمية التقنية والتكنولوجيا الرقمية في الحياة، سواء في العمل أو الدراسة أو التواصل الاجتماعي والتسلية، وظهر ذلك جلياً في دول العالم المُتقدم، فبمجرد استحالة الذهاب بمواقع العمل والدراسة تحوّلت لاستخدام التقانة بكل سلاسة ويُسر، للمراحل التعليمية كافة، وفي السودان بدأت بعض الجامعات في تطبيق برامج لمواصلة الدراسة عن بُعد، إلا أنها تظل اجتهادات فردية وتجارب قابلة للتطوير والتحسين، خاصة أنها تتأثر بكثير من الظروف الاقتصادية العامة والخاصة للطلاب، فضلاً عن عدم وصول شبكات الإنترنت لمناطق كثيرة في السودان.
كثير من الموظفين وطلاب الجامعات الذين استطلعتهم (سودان فيرست)، أكدوا أن المعاناة الحقيقية التي تُقلق مضاجعهم تتعلق بالجائحة الاقتصادية وليست الصحية.
وقال شيخ الدين البدري – موظف – إن أكثر ما يتخوف منه بعد عودة الحياة ورفع الحظر هو مواجهة الظروف الاقتصادية الضاغطة والغلاء الفاحش في أسعار السلع والخدمات، داعياً الحكومة لفرض سيطرتها الكاملة على معاش الناس وتوفير سُبل العيش والحياة الكريمة دون عناءٍ.
من جانبها، اعتبرت سهى محمود – طالبة جامعية – أن المعاناة الحقيقية بعد رفع الحظر تتمثل في المواصلات، مؤكدة أنّ أكثر ما يعاني منه طلاب الجامعات هو انعدام المواصلات وانعدام الرقابة عليها، وقالت سهى إن الدولة رفعت يدها وتركت المواطنين تحت رحمة أصحاب المركبات، يزيدوا سعر تعرفة النقل ويتحركوا في الخطوط التي يريدونها دون حسيب، واعتبرت سهى أن تجربة الدراسة عن بُعد مناسبة جداً إذا توفرت لها الظروف المناسبة، وأن فيها توفيراً للجهد والمال والوقت.
الضرر النفسي
يشكل القلق من العودة إلى الحياة بعد الإغلاق، جزءاً من حالة نفسية يُطلق عليها اسم “قلق العودة”، وقال طبيب النفس د. علم الدين هاشم لـ(سودان فيرست) إن “قلق العودة” يُمثل الخوف من المجهول وفقدان فترة الأمان التي خلقها الحجر الإلزامي داخل المنازل، منبهاً إلى أن الإغلاق قد خلق إحساساً مصطنعاً بالأمان بشأن الأخطار في الخارج والاحتماء من الفيروس، وأن الخروج سيأتي عليه بقلق ومخاوف من الإصابة. ويضيف هاشم: يتشابه “قلق العودة” في بعض جوانبه مع رد الفعل على الصدمة، مثلاً، إذا تعرّضنا لحادث سير، قد نجد أننا نشفى بشكل جيد من الصدمة الأولية التي سببها لنا الحادث وأن أجسامنا تستعيد عافيتها، لكن عندما نضطر للعودة إلى القيادة من جديد، نشعر بالقلق، ومَرَد ذلك أننا نضع أنفسنا من جديد في وضعٍ اختبرنا خطورته أو ضرره من قبل، منبهاً إلى أن بعض الأشخاص عرضة للإصابة بقلق العودة أكثر من غيرهم، ويعتبر د. علم الدين أن من لديهم تاريخ من الشعور بالقلق مثلاً سيكونون أكثر عرضة للإحساس بهذه المخاوف، وقد يعتمد الأمر بشكل كبير على الظروف الشخصية، ومن مروا بتجربة فقدان عزيز أو أصيبوا بالمرض أو عانوا من اضطراب شديد بسبب تغييرات شخصية أو مهنية، معرضون أيضاً للشعور بمزيد من القلق إزاء تخفيف القيود لأنهم يشعرون بأنّ العالم الخارجي غير آمن.
من جانبها، كشفت المتخصصة في علم الاجتماع د. سمر الناجي لـ(سودان فيرست) أن الأمر قد يعتمد أيضاً على مدى القلق بشأن احتمال إصابتكم شخصياً بـ(كورونا) وتضيف، (من يعتقدون بأن الاحتمال مرتفع سيشعرون بقلق مضاعف، لكن غيرهم سيعتقدون أن احتمال إصابتهم بعيد، ربما لأنهم في عمر فتي وبصحة جيدة). وإضافة إلى ذلك، قد يشعر من تقع على عاتقهم مسؤولية الاعتناء بسواهم من الأطفال أو الأهل المسنين، بقلق إضافي ليس على سلامتهم الخاصة، بل على سلامة أحبائهم.