سودان فيرست- نعمان غزالي
في 17 أغسطس من العام الماضي، وقع نائب رئيس المجلس العسكري محمد حمدان دقلو وممثل تحالف قوى الحرية والتغيير أحمد ربيع، على وثيقة الاتفاق الذي توصّل إليه الطرفان بعد أشهر من المُفاوضات والذي من شأنه أن يضمن الانتقال إلى حكم مدني في البلاد، بعد الاحتجاجات التي اندلعت منذ 19 ديسمبر من العام الماضي ضد حكم المؤتمر الوطني ورئيسه المخلوع عمر البشير، وبرغم من مرور عام على التوقيع، إلا أن منجزات حكومة ما بعد الثورة لا تزال غير مُقنعة في ظل تكالُب المشاكل والأزمات التي أقعدت بالبلاد زمناً طويلاً..؟
السلام أولاً
أولى مطلوبات المرحلة الانتقالية وبحسب الوثيقة الدستورية، كانت إنجاز السلام المُستدام بالاتفاق مع الحركات المسلحة، وتحقيق الأمن في مناطق النزاع، ولكن حتى صباح اليوم لا تزال الخلافات قائمة.
لجان التحقيق
فض اعتصام القيادة العامة والذي كان خنجراً في خاصرة المكون العسكري، تقرر له تشكيل لجنة للتحقيق برئاسة المحامي المعروف نبيل أديب، ولكن برغم مرور عام على تشكيل اللجنة، إلا أن النتائج لم تظهر بعد.
تفكيك التمكين
من اللجان القليلة التي أصابت بعض النجاح، كانت لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو، وهي لجنة مفوضة لاسترداد الأموال العامة لصالح خزينة الدولة من منسوبي النظام البائد والمتعاونين معهم في الداخل والخارج.
معاش الناس
من أصعب الملفات التي راهنت عليها الحكومة الانتقالية، لكنها لم تحقق أي تقدم يُذكر، بل زادت الأوضاع سوءاً مع ارتفاع الدولار وندرة الدقيق، بالإضافة لأزمة الوقود وصفوف الخبز، مع عجز وزارة التجارة في كثير من الملفات التي من شأنها تخفيف وطأة الأزمة كملف التعاونيات، مما حدا بلجان المقاومة المطالبة بإقالة وزير التجارة مدني عباس لفشله في إدارة الأزمة على حد قولهم.
استكمال هياكل السلطة
حتى الآن لم يتم تشكيل المجلس التشريعي، وبناء نظام عدلي قائم على المؤسسات القضائية، وهو ما طالبت به القوة الثورية (لجان المقاومة) في مواكبها المستمرة لتصحيح مسار الثورة، ونفّذت لجان المقاومة منذ أمس الأول، تصعيدها الثوري الذي هددت به بعد قمع الشرطة لموكب (جرد الحساب)، ومطالبتها الحكومة الانتقالية بتنفيذ عدد من المطالب. وأقدمت اللجان على إغلاق عدد من الشوارع الرئيسة في الخرطوم، وأشعلت وسطها الإطارات، في وقتٍ ناقش مجلس الوزراء، أهمية الحوار مع لجان المقاومة والحاضنة السياسية وتقييم المواقف حول كيفية معالجة المشكلات لمصلحة المواطن.
رئيس الوزراء يصرح
ونشر مكتب رئيس الوزراء، بياناً بمناسبة مرور على توقيع الوثيقة ينص على: (مرّ عام على توقيع الوثيقة الدستورية بين قوى إعلان الحرية والتغيير والمجلس العسكري الانتقالي والذي تشكّلت على إثره هياكل الحكومة الانتقالية التي لا تزال تنتظر تكوين المجلس التشريعي لتكتمل أضلعها).
تمّ تعيين الولاة المدنيين، وهي خطوة في طريق إكمال بناء الحكم المدني. نقف مُواجهين بتحدي السلام الذي قطعنا فيه خطوات في مرحلته الأولى والتي تكاد أن تكتمل باتفاق الترتيبات الأمنية مع “أطراف عملية السلام” الذي يجري التباحُث عليه في جوبا. تتبقى المرحلة الثانية مع حركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور والحركة الشعبية شمال بقيادة عبد العزيز الحلو.
الاتفاق السياسي والوثيقة الدستورية جاءتا بهدف أن يقف نزيف الدم السوداني الغالي وأن نفتح لشعبنا ووطننا آفاقاً لمستقبل أفضل تظلله رايات شعار الثورة “حرية.. سلام وعدالة”.
تظل قضايا تحقيق العدالة وإنصاف الضحايا أحد أهم المهام التي تُواجهنا والتي نعمل من أجلها لإنتاج نموذج سوداني للعدالة الانتقالية يفتح الأبواب للمُستقبل ويُعبِّد الدروب للانتقال.
مهام إدارة الدولة المُحمّلة بإرث الحكم غير الرشيد والقوانين المُقيّدة للإبداع والحريّات نحو إحداث التغييرات الجذرية التي نادت بها ثورة ديسمبر المجيدة ليس بالأمر السهل، بل طريق متعرج بين صعود وهبوط. جهاز الدولة يحتاج إلى إعادة بناء، وتركة التمكين تحتاج إلى تفكيك، والخدمة المدنية تحتاج لتحديث وتطوير ليصبح محايداً بين المُواطنات والمُواطنين وخدمياً وفاعلاً، هذه المهمة تحتاج إلى كل الدعم السياسي والشعبي المُمكن وأن نعمل بروح الوحدة، وأن يدرك شعبنا أن مصلحتنا واحدة، وهي العمل من أجل إحداث التغيير وإنجاز مهام البناء والتعمير.
منعرج خطير
تتريس لجان المقاومة للشوارع، ولهجة التصعيد خلال الأيام الماضية قد تنذر بمُواجهة مُحتملة بين حكومة الثورة ومن أتى بها إلى سدة الحكم، إن لم تتّخذ الحكومة إجراءات سريعة بتحسين الواقع الاقتصادي وإدارة الأزمات بشكل سريع، خُصُوصاً وأنها بدأت تفقد أهم سند لها وهو (الشارع).