يعد الصحفي السوداني المثير للجدل “منعم سليمان” الذي قدم تسريبات خاصة ساهمت في إنجاح (ثورة ديسمبر) تخص الأجهزة الأمنية السودانية والتي شاركت في قمع التظاهرات السلمية، يعد أحد أبرز الوجوه التي ظهرت خلال الفترة الماضية فإلى مضابط الحوار:
حوار – جمال الطاهر
• ألا تخشى من الحملة التي تمارس ضدك؟
لا أخشى منها بتاتاً، واعتقد بأنني لم أخش في ذلك الوقت؛ أنا لم آت للنضال أثناء الثورة، نحن دفعنا اثماناً باهظة من أجل أن يحدث ما حدث، لم نخش الأوضاع إبان الشدة فكيف نخشاها الآن!.
• منعم.. البعض يتهمك بأنك متلون مرة مع حكومة حمدوك ومرة ضدها؟
أقول لك بأن من عاش 30 عاماً في ظل الديكتاتورية لا يمكن أن يفهم الديمقراطية؛ أنا لم أعط شيكاً على بياض لأي أحد في هذه الحياة؛ ثم أن انتقادي لحكومة حمدوك هو انتقاد موضوعي ومنطقي؛ لست طبالاً أو أحمل طبلة؛ عندما يكون الصحيح أنك تفعل ضميرك المهني والأخلاقي يجعلك أن تقول الحق عندما يكون ذلك حقا، وأن تقول الباطل عندما يكون ذلك باطلا وهذا ما أفعله أنا. أما ما يراه الناس وحتى صيغة السؤال هذه أنا اتفهمها جيداً؛ تنم عن عدم وعي سياسي اعرف أنها التدمير والخراب السياسي الذي حدث في الحياة السياسية هو خراب كبير وعظيم.. متفائل بالمستقبل حتى لو كان على جثثنا، والديمقراطية علاجها مزيدٌ من الديمقراطية والصبر.
• سبق وحذرت قوى الثورة من البرهان رئيس مجلس السيادة؟
البرهان ليس منزهاً عن الخطايا؛ وأنا على الصعيد الشخصي “لا أثق به تماماً” ولكن ليست لديّ مشكلة في التعامل معه عندما يكون صحيحاً؛ ما ينطبق على حمدوك هو ما ينطبق على البرهان، ولكن ثقتي في حمدوك لأني اعرفه شخصياً على المستوى الإنساني والشخصي بلا حدود؛ لا تساورني أدنى شكوك في صدقه، ونزاهته وأخلاقه، ووطنيته.. حمدوك من تختبره إنسانياً وأخلاقياً تفهمه أكثر؛ أنا لا اعرف البرهان؛ ولكن بدرت منه بعض التصرفات ما يجعلني أفكر قليلاً؛ ماذا يريد الرجل – ولكن عندما يفعل شيئا صحيحاً ادعمه؛ من أجل الوطن وليست لديّ مشاكل شخصية مع الناس.. لا تهمني سمعتي الشخصية وإنما تهمني سمعة الوطن وتقدمه وازدهاره.
• ما علاقتك بالمخابرات المصرية؟
ضحكة مستغرب.. وكأنك عندما تعيش في لندن يجب أن تكون عميلاً للمخابرات (mi6)، وعندما تعيش في أمريكا يجب أن تكون عميلاً لـ(cia)، وعندما تعيش في السعودية يجب أن تكون عميلاً للمخابرات السعودية؛ هذا تفكير ينم عن جهالة فادحة؛ ويسؤني جداً أن أسمع عن هذا الحديث يقال عن الناس، اقولها لك بملء فمي قلت ان حلايب سودانية عندما كان البشير وقومه يتقربون بالنوافل للنظام المصري، قلتها في ندوة مشهودة في قلب القاهرة وسأظل أقولها؛ لا أخشى ولست عميلاً لأي أحد.. (ولي نفسٌ لا تشتري).. هذا الجيل تربى على أن الإنسان هو سلعة؛ هذه مأساة؛ أنا لست عميلاً لأي نظام ولن أكون؛ ولا يمكن لأي قوة في هذه الأرض تشتريني؛ أنا سعري غالٍ جداً؛ وهو حياتي.
• أين صلاح قوش من المشهد الآن؟
قوش صار عبئاً حتى على النظام المصري الذي يستضيفه؛ وصار عبئاً حتى على نفسه وقومه، صار منبوذاً، ينادون في كل مرة بأن قوش فعل؛ وسيفعل؛ هذه القوة الخارقة التي يضفونها على شخصيته هي تحمل حيلة خبيثة؛ يريدون أن يغيبون الخطر الحقيقي؛ الخطر الحقيقي الآن هو داخل السودان وليس خارج السودان داخل التنظيم الإسلامي بقيادة الأمن الشعبي؛ من كان يعبد صلاح قوش فإن صلاح قوش قد مات.
• هل فشل حمدوك ويجب أن يرحل؟
أقول لك بأن واحدة من الأشياء النيرة في هذه الثورة والتي اعطتها قيمة مضافة هو حمدوك.. حمدوك هو من نوع الشخصيات الذي لا يشع إلا في الظلمة؛ حمدوك رجل صادق، وطني، ونزيه، وهو يحز على احترام العالم؛ لا ادعي القربى له ولكن من خلال معرفتي به وحديثي معه؛ اقول لك أي تغيير لحمدوك هو بداية لفشل المرحلة الانتقالية؛ حمدوك هو الحجر الذي يقوم عليه البنيان الوطني، وسيعرف السودانيون إذا صبروا بأنهم حظوا برجل سيعيدهم إلى أمجاد السودان القديم.
• ما هو موقفك من قوات الدعم السريع وقائدها حميدتي؟
هو نفس موقفي من الوثيقة الدستورية؛ التي توافق عليها أهل السودان، أنا مع الوثيقة الدستورية وتقبلتها بما فيها وما فيها؛ الآن بعض الأحزاب اليسارية الطفولية التي لا تتواجد إلا على التأثير؛ والتي تتحدث عن حميدتي هي التي فاوضت؛ ولم يفاوض منعم سليمان؛ أنا لم افاوض ولست راضياً عن كل ما نتج عن الوثيقة الدستورية ولكني قبلت به من أجل هذا الوطن؛ الأيديولوجيا مغايرة فإنني لا أستطيع تغيير الواقع، بل اغير أفكاري وأيديولوجيتي؛ بما يحفظ سلامة هذا الوطن. هذا موقفي من الدعم السريع وهذا موقفي من حميدتي؛ وهو الموقف المتضمن والمعترف به في الوثيقة الدستورية. وأي كلام غير ذلك يكون مزايدة سخيفة وأكاذيب لا أرددها ولا اتعاطاها.
• في مايو من العام الماضي ذكرت في أحد منشوراتك أن حميدتي هو قائد مليشيا وهناك دلائل قوية على ارتكابها جرائم حرب؛ ما الذي غيّرك؟ هل قبض منعم سليمان ثمن تلميع الدعم السريع؟
هذه تأتي في إطار تسليع الناس وأنهم يقبضون؛ هذه فرية كاذبة، انا لا أتعاطى هذا الشأن ولا أبيعه ولا اتعامل معه؛ هناك مستجدات كثيرة حدثت، واعتقد أن حميدتي هو أحد حماة التحول الديمقراطي، وإذا لم يثبت ذلك سيكون موقفي غير ذلك؛ ما عندي شيك بياض إلى حميدتي اصلا؛ ناهيك عن أن يكون أعطاني شيكاً آخر؛ ولكنه من خلال مناقشات كثيرة معه ومع شقيقه عبد الرحيم.. مناقشات بحضور مسؤولين في الحكومة وقادة الحرية والتغيير.. اعتقد أنه أحد ضمانات التحول الانتقالي حتى الآن، (وإذا غيّر موقفه سأغيّر موقفي).
• هل قبض منعم سليمان ثمناً لتلميع أي جهة ما حسب ما يروِّج البعض؟
هذه أكاذيب الكيزان، لابد أن أقول لك.. قل إن ثلثي هذه الحكومة المدنية نعرفهم جيداً، عرفناهم المنافي وفي النضال؛ يعني عندما تقول مدني عباس صديقي يأتي لك سياسي عرف السياسة بعد 30/ 6 يقول لك (آه) قبض!! مدني عباس إنسان محترم، اعرفه جيداً، وعندما تقول نصر الدين عبد الباري تقاسمنا السكن في فترة من الفترات، وعملنا معاً في منظمة أمريكية. عندما تقول حمدوك يظنون أنك تعرفه اليوم، وعندما تتحدث عن علي بخيت مدير مكتب حمدوك يظنون أنك تأتي تزلفا وتملقا؛ يعني مثلا كتبت مقالاً عن خالد سلك.. خالد هو صديقي خارج إطار السياسة منذ (18 سنة)، انا أعرف هؤلاء الذين في الحكم قبل الثورة؛ هذه الثورة (سعي قديم) يقولون “الضربة التي فتتت الحجر، ليست الضربة التي فتتت الحجر؛ ثورة ديسمبر كانت الضربة الأخيرة التي فتتت الحجر؛ وكانت تسبقها ضربات كثيرة شاركنا فيها كُل حسب موقعه!! أحمّل الإنقاذ الجهل السياسي والنقد الذي يحدث بطولة وسذاجة. ثم ثانياً لست محتاجاً؛ عندما قامت الثورة (انا كنت اقبض أكثر من ما يقبض حمدوك الآن) انا باحث، وصحفي والآن اعمل في مراكز بحثية وصحفية؛ ليس من اللائق أن أقول كم مرتبي؛ لكنه يكفيني أن ابيع نفسي؛ أو ابيع غيري. هؤلاء يخدعون إلى دعايات الكيزان ودعايات الأمن.
• منعم سليمان مَن ورائه وما علاقته بـ”باقان اموم” وقيادات الحركة الشعبية.. هل هي فعلاً من صعنت منعم؟
باقان اموم رجل ربطتني به علاقة صداقة، هو رجل على الصعيد الإنساني محترم واكن له الاحترام، ولا احاكمه سياسياً الآن؛ كانت علاقة شخصية وهو رجل خلوق.
• هل فعلاً استغل منعم سليمان الثورة ودماء الشهداء ليعود للخرطوم مدعيا أنه قدم للثورة وخدمها؟
مستنكراً: ومن صنع الثورة إذن!! “رددها مرتين”.. اقول لك هذه الثورة صنعت منذ 1/7/1989 هي فعل تراكمي قد نكون لحقنا به مؤخراً قبل (15) أو (18) سنة؛ ولكن شاركنا في صنعها مع آخرين واخريات. من هم أفضل مننا هم الشهداء ولا أحد غيرهم؛ لا مسؤول ولا غير مسؤول ولا العسكر الذي يتسلمون المناصب الآن؛ نحن من صنعنا هذه الثورة؛ وصفحة “منعم سليمان” هي التي ساهمت في ثبات هذه الثورة.
• تعتبر صفحتك على موقع فيسبوك منصة إعلامية ولديك جمهور؛ علاقتك مع متابعيك؟
أوقفت قراءة التعليقات منذ فترة طويلة؛ لأنه عندما اكتشفت أن (45 الف حساب زائف) هدفهم انتظار البوست ليغيِّروا مساره؛ ولكن يمكنك أن تتواصل مع القراء في الخاص وتسألهم هل أنا متواصل إنسانياً، ووطنياً، وأخلاقياً؛ أم لا؟.
• المتابع لك عبر منصات التواصل يلحظ بشكل واضح فقدان مصداقيتك لدى متابعيك؟ ألم تلحظ ذلك؟
متابعوني يحترموني واحترمهم؛ واحبهم ويحبونني؛ ولكن حسابات الكيزان والأمن والكتائب الإلكترونية التي لا تزال تعمل هي التي تحاول تنحو هذا المنحى.
• ذكرت في أحد منشوراتك ان الفريق كباشي هو الكوز الوحيد المتبقي؟
أولاً، دعني أن أقول لك، في التسريبات التي تمت في عهد الثورة استطعت أن أحصل على معلومات كثيرة وبالمستندات منها من الجيش ومنها من جهاز الأمن؛ كنت ملماً لدى ما يثبت أن كثيرا من الضباط ينتمون للحركة الإسلامية؛ بل هذا أمر غير منكور فقد ذكره الفريق هاشم الانقلابي رئيس الأركان السابق عندما قال اتلقى التعليمات من كرتي، والزبير ونافع وهؤلاء؛ فاختراق الحركة الإسلامية للجيش هو من المعلوم بالضرورة للناس.. أعتقد أن كل الدلائل تثبت بأن الفريق كباشي هو (كوز) وتصرفاته تدل على أنه كوز؛ وما الكوز سوى أنه ضد القيم الديمقراطية؛ كباشي (ضد القيم الديمقراطية وضد الحكومة الانتقالية) ويعمل على عرقلتها بشكل واضح وطفولي.
• هل خروج الحزب الشيوعي سيترك فراغاً في الحاضنة السياسية؟
الحزب الشيوعي حزب ديكوري مهم؛ رغم ديكوريته لكنه مهم؛ ليست لديه قاعدة جماهيرية عريضة؛ (ينشط في الأسافير) يعرف خبث الكيزان ويفعل أفعالهم ويستخدم أدواتهم؛ أذكر في مقابلة مع المحبوب عبد السلام عام 2010 قال لي بأنهم قد أسلموا أدبيات الحزب الشيوعي انتصروا علينا بها؛ الحزب الشيوعي اعتقد من يتسنمون المناصب الآن في الحزب الشيوعي أقل قامة من قامة الحزب التاريخي؛ يتعاملون بطفولة لا يراعون حساسية المرحلة؛ يحاولون أن يتكسبون ويضربون في المناطق الحساسة؛ اعتقد أنهم يختاروا ما يختاروا، هل يظنون أن حرق إطارات في هذا الوقت لمجرد هناك أزمة؛ هم يعرفون ما سببها؛ بتصرفاتهم الطفولية يهيأون الانقلاب القادم بوعيهم أو بدون؛ الحزب الشيوعي الآن (حزب طفولي صغير) أكبر من الحزب الذي في ذاكرتنا؛ الحزب الآن (شلة) لا أعرف؛ أنا اعرف محمد إبراهيم نقد؛ اذكر لك انني قابلته في 2009 وكان آنذاك الكاتب إسحق أحمد فضل الله، والطيب مصطفى يتهمانني بأنني شيوعي وقلت لهما ممازحا: لماذا لم يصدر الحزب بياناً ويفصلني؛ ابتسم وقال لي: انتم الشيوعيون المنفلتون؛ نقد كان رجلاً لطيفاً، فكهاً، مثقفاً، أنا أحبه على الصعيد الشخصي؛ ولكن من خلفه أقل قامة من هذا المنصب.
• برأيك هل فشل مدني عباس مدني في وزارته؟
مدني عباس ظلم ظلما كبيرا عندما وضع بأنه وزير الرغيف؛ مدني حقق إنجازات كبيرة في مصنع بابنوسة؛ والصمغ العربي، وتغيير القوانين التي حدثت في عهده.. هناك دعوة يجب أن تقال لهؤلاء الجدد في المشهد السياسي أن يعرفوا بأن (الفيسبوك السوداني غير رحيم) لمجرد أن تسمع شائعة لا يجب أن تنشرها؛ مدني عباس رجل نزيه وليس فاسداً وليس رجلاً متلوناً؛ وهو مع الثورة؛ تم استهدافه لأنه آخر قادة هذه الثورة داخل الحكومة.
• الصادق المهدي: سنسحب تأييدنا للحكومة الانتقالية حال طبّعت مع إسرائيل.. ما تعليقك؟
الصادق المهدي رجل محترم جدا ومثقف وهو آخر الرجال المحترمين في هذه الحكومة، فالصادق مهما قسى على هذه الحكومة فلن يكون موقفه مثل الشيوعيين؛ رجل له سهم كبير في الثورة، وله سهم كبير في التاريخ النضالي، أنا أحبه وانتقد حزبه كما أحب حمدوك وانتقد حكومته؛ واتمنى له في هذه السانحة بطول العمر وأن يتعافى حتى يحقق ما يحلم به ونحلم به، الصادق مهما قلت فهو رجل صادق ويراعي مصالح الوطن، الصادق لن يتحالف مع الكيزان يوما؛ ولكنه يفعل ذلك من أجل السودان.. أنا مع التطبيع مع إسرائيل ولكني احترم موقفه ضد التطبيع.
• كثيرا ما تتحدث عن بواخر نفط، وبواخر قمح قادمة.. متى ستصل؟
الكيزان يؤثرون على الموقف العام الآن، هناك الكثير في الاتفاق الذي تم بين الإدارة الأمريكية والحكومة السودانية، أكرر وأؤكد لك الآن نصف الأدوية التي ستأتي في الفترة الانتقالية سيكون تبرعاً من الحكومة الأمريكية؛ و4 سنوات من اكتفاء السودان من القمح؛ بالإضافة إلى محفظة ولكن تُحارب حتى من داخل الحكومة وزراؤها؛ وهذا تصرف لا أستطيع فهمه!! وهي توفر البنزين والجازولين؛ توفره بالعملة السودانية؛ هي لها ما يقارب المليار دولار ولها ذهب؛ والآن تعمل 6 بواخر غاز طبخ ستأتي في الشهر القادم.
• ماهي قراءتك للواقع بعد 5 سنوات من الآن؟
دعنا يا أستاذ جمال نصل الجسر، عندما نصل شهر يناير سأجيبك على هذا السؤال؛ عندما نصل الجسر سنعبره.