جنابو عمر عثمان
كالعادة استيقظت مبكراً، أو للدقة لم أنم جيداً بعد السحور، وجدت محمد عثمان (ابني) مستيقظاً، سألني بانزعاج صحي يا بابا حيفضوا الاعتصام بالقوة؟؟ قلت له لا أظن أن عاقلاً يمكن أن يقدم على مثل هذا التصرف!! سألته أين عبدوالرحمن؟؟ في الاعتصام أنا كنت متعباً فرجعت، لكن عبد الرحمن هناك!!
فتحت الفيسبوك، ومع بدء ظهور البوستات القلقة عن أن هجوماً يقع على ميدان الاعتصام، ساعتها كان صوت الذخيرة الكثيفة مسموعاً بوضوح شديد جداً.
أتصلت على، عبد الرحمن كان الجرس يرن لثوانٍ كأنها دهر ولا إجابة!!
أيقظت والدتهم وأبلغتها.. لم تقو على النهوض من السرير انهارت كلياً، ورغم ذلك كانت تقول لي أنا بمشي معاك ما بخلي ولدي في الرصاص ده!! بعد جهدٍ جهيد، أقنعتها لا بد أن نحكم عقلنا، المصير هناك مجهول، أنا سأذهب وإن حدث شيء على الأقل يبقى أحدنا!! وطلبت منها أن لا تتّصل بعبد الرحمن حتى لا تربكه وتشغل الخط وتستهلك البطارية، دعيني أنا فقط من سيتصل.
أجريت تقدير موقف سريع، وقررت أن أسلك طريق المطار، ومن ثم من خلف المطار أصل عبر صينية بري، على اعتبار أن توقعاتي تشير إلى إن كثافة الهجوم ستكون من الناحية الأخرى. وظللت أواصل الاتصال بعبد الرحمن، وأخيراً رد عليّ.. كانت
أنفاسه متقطعة يستجمع الكلمات بصعوبةٍ، طلبت منه أن يهدأ ويطمئن أنا في طريقي إليك ولن يصيبك مكروهٌ!! قال لي لا ما تجي الرصاص ده كتير وعشوائي وأنا ذاتي ما عارف أنا وين، دخلنا أحد البيوت وكانوا ما زالوا يطاردوننا فخرجنا الى الشارع مرة أخرى، فقدت حذائي وتمزق بنطالي.
جيد طالما أنت حي مافي مشكلة إن شاء الله، واصل في الركض شرقاً بأقصى ما تستطيع، لا تتوقف حتى أصلك.
وظلت الاتصالات تتواتر بيننا حتى التقينا قرب كوبري المنشية، وكانت زخات الرصاص لا تزال تمطر، والأسوأ أنك لا تعرف مصدر النيران، وجدته منهكاً في حالة يُرثى لها من الغضب والإرهاق!!
كانت المتاريس قد بدأت تتناسل، استجمع الشباب قوتهم وتجاوزوا صدمة المفاجأة الممزوجة بروح الغدر والخيانة!!
وصلنا البيت بصعوبة بالغة وسط الرصاص والمتاريس والإطارات المشتعلة.. كانت هناك معركة لا تتوفر فيها أدنى درجات التوازن، لكن بالمقابل كانت هناك بسالة وشجاعة مذهلة.
وبعد عامين لا يزال عبد الرحمن يقول لي “لا نحن وقفنا استشهدنا معاهم، ولا نحن جبنا ليهم حقهم”، وأقول له الموت والحياة والأعمار بيد الله وبإذنه واحد أحد سينصرهم الله ويقتص لهم ولو بعد حين.