سودان فيرست- آيات مبارك
باتت الدكتورة منى عبد الله زوجة رئيس مجلس الوزراء د. عبد الله حمدوم، تُعرف بالسيدة الأولى، وهو اللقب الذي تسعى له كثير من النساء، لأنه يعني بالضرورة زوجة رجل مهم تتمتع بسلطة رمزية نسبياً، وحركة تغمرها الأضواء والقدرة على المساعدة من أبواب الخير والإنسانية كافة، وهذا بدوره يمنحها هالة من التقدير والنجومية، بما يفسر العبارة الشهيرة “وراء كل رجل عظيم امرأة عظيمة”، لكنه أيضاً بالمقابل يُحرض على الاتهامات بالهيمنة والثراء، كما حدث لمعظم زوجات الرؤساء، ويحدث حالياً “لمنى” بأنها صاحبة شخصية قوية، وتأثير على مجريات صناعة القرار، إلى درجة التدخل أحياناً في التعيينات الجديدة.
إلى جانب جمدوك
ظهرت الدكتورة منى عبد الله إلى جانب زوجها بمجرد صعوده إلى مقود رئاسة الحكومة الانتقالية، وانخرطت في شأن الأعمال الرسمية كذلك، فهي بالأساس لم تكن أيضاً بعيدة عن العمل العام وحراك المنظمات، والسعي لخدمة بلادها، أو فلنقل قارتها أفريقيا.
في الخاطر مشهد (وفية) من رواية نوال السعداوي (امرأة من نقطة الصفر) وهي تسأل فردوس في إحدى الليالي: هل أحببت يا فردوس؟ قالت لها أبداً لم أحب، ونظرت إليها بدهشة وقالت غريبة! قالت لأن شكلك يُوحي بأنكِ تحبين. ومثل حب (فردوس) هذا لا يأتي إلا بملء الذاكرة الجمالية الحياتية. أو التراتبية السماعية سواء على صوت إسماعيل عبد المعين أو (عباس تلودي)، ثمة وحي خاص يجمعهما، كما ألمحت منى في رسالتها الأخيرة عن زوجها عقب محاولة اغتياله وهي تفصح عن دواخلها بعاطفة رقيقة.
بلا جزع
يبدو ذلك غريباً، أو مثيراً للإعجاب بصورة أخرى، ردة فعل “منى عبد الله” وهي تتلقى خبر محاولة اغتيال زوجها، لم تستخدم لغة على شاكلة “حي ووب”، وإنما كانت صامدة تتدثر خلاياها عبر أثير الهاتف الجوال باليقين، وهو يحمل ذات الإحساس محاولاً طمأنتها قائلاً: (أولاً أنا بخير.. والله العظيم أنا بخير.. ثانياً حدث كذا وكذا قبل دقائق لا تقلقي وطمئني الآخرين أنا بخير.. إنتي سامعاني؟!” قالها وأطلق لصوت الانفجارات المتتالية، بما فيها انفجار الشارع الذي كان يرى في حمدوك بعض الأمل المفقود.
أغلق الهاتف وألجمتها المفاجأة، لكنها كانت الأولى التي سرّبت الخبر عبر صفحتها بتطبيق فيسبوك: (محاولة تفجير سيارة حمدوك قبل دقائق، حمدوك بخير ولم يصب بشئ واحد.. يجب أن يعلم الجبناء، إذا ذهب حمدوك سيأتي ألف حمدوك من بعده.. هذه الثورة لن تتوقف أبداً).. هنالك من استغرب هذا الثبات، وهنالك من اتهمها بمحاولة الاستثمار السياسي في الحادثة لخلق تعاطف أكبر حول رئيس الوزراء.
مما رددته حرم حمدوك، وهى تدفع عن نفسها وأسرتها التشبث بالكرسي الفخيم، أن ليس هناك ما يبهر او يدفع للتمسك بالسُّلطة، وقالت في تدوينة أخيرة “نحسبها باليوم وبالساعة، نتمنى أن يركض الزمن بنا ونغمض عيوننا ونفتحها ونحن بعد الفترة الانتقالية”، وأضافت فى إشفاق على ضياع راحة البال “حتى ننعم بأوقاتنا الخاصة معاً، نناكف الأحلام، نسمع عباس تلودي مع قهوة الصباح يوم الأحد ونلتقي أصدقاءنا وأحبابنا وقت ما نحب”.. وهنا تبدو رسالتها أقرب إلى رسالة الطيب صالح الأخيرة “من أين أتى هؤلاء؟ أما سمعوا مدائح حاج الماحي وود سعد، وأغاني سرور وخليل فرح وحسن عطية والكابلي والمصطفى؟” وهنا تبدو منى كمن يريد القول، نحن من فعلنا ذلك، او إنها فقدت أوقاتها الخاصة الجميلة.
مُشاركات مُهمّة
منى عبد الله سيدة السودان الأولى وزوجة رئيس مجلس الوزراء عبد الله حمدوك، المتخصصة في دراسات الأمن والسلامة، لديها كتاب صادر بالإنجليزية (الحركات الدينية المتطرفة في أفريقيا) نتيجة عمل في كل من السنغال وموريتانيا، وتتمحور دراستها حول قبائل الطوارق، لم تلجمها الدهشة نحو ما يجده زوجها من تقدير وثقة، ربما لثقة روحها فيه وربما أنها تتوقع منه أكثر. وكانت قد ذكرت في حوار صحفي أنها مشغولة بدورها الاستشاري، وقالت (أنا لا أنصح حمدوك، بل نحن نتناقش بصورة يومية حول قضايا التنمية، والبطالة، ونستنا اليومية حول مُحاربة الفقر والبطالة، وتوفير وسائل الإنتاج حاضرة في الونسة اليومية”.
أثارت مشاركة د. منى في اجتماع الدورة (24) للجمعية العامة للسيدات الأول، الذي انعقد على هامش مؤتمر الاتحاد الأفريقي بأديس أبابا، ردود فعل واسعة، وثمّن الكثيرون ذلك، باعتبارها احد الكوادر المؤثرة، والجديرة بقيادة أي مبادرة بخصوص النساء، كذلك رحلتها إلى الغرب ضمن وفد حمدوك، دون ان تغيب تلك الأسئلة البسيطة، وهي، من هي السيدة الأولى بالفعل حالياً، حرم الدكتور حمدوك، ام حرم الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة والممسك بزمام الأمور كما يرى البعض..؟
سيرة ومسيرة
يُذكر أيضاً أن منى قد حصلت على درجة الدكتوراة في جامعة ليدن بهولندا 2008م ومن جامعة مانشستر في المملكة المتحدة ودبلوم متقدم في تنمية المجتمع – جامعة الخرطوم وبكالوريوس من جامعة الزقازيق بالإسكندرية، وتشغل حالياً مدير ادارة أكاديمية في أديس أبابا بأثيوبيا.
ما زالت تُواصل العمل بكل دأب، ولديها مساهمات واضحة في قضايا المراة بأفريقيا، فهي صاحبة خبرات سابقة بعدد من الشركات، منها العمل بمؤسسة محمد إبراهيم “مو” بأمريكا الشمالية، وترأس مكتب الاتصال الدولي ITA وباحثة في برنامج منع النزاعات CBB، وكانت تشغل منصب السنيور العليا في برنامج القيادة، وتعرف قائدة بمساهمتها الواضحة في قضايا المرأة بأفريقيا.
تختم حرم رئيس الوزراء، رسالتها للشعب السوداني بالقول: ”عرفتموه كرئيس لوزراء الفترة الانتقالية وعرفته زوجاً، وصديقاً ورفيق الدرب وشريك العمر، حلوه ومُره قرابة الثلاثين عاماً.. وأتمنى ان تطول، لكن إذا دعا الداعي فروحه ليست أغلى من أرواح الشهداء، وكل مسرات الدنيا.. ودمه ودمي ودم أولادنا فداء للوطن واستقراره”.