سودان فيرست- تسنيم عبد السيد
(بعد دا ما عندي ليكم حاجة)، تلك كانت الجملة التي أنهى بها الطبيب المسؤول في مستشفى علياء بمدني في ولاية الجزيرة، الجدل بشأن خطأ طبي فادح تعرض له مريض دخل المستشفى، والتي دخلها بكامل جسمه وغادرها بلا ذراع، عاجز عن الحراك، بل كان معرضاً لمخاطر أكثر، لو لا لطف الله.
العم ميرغني، دخل المستشفى بسبب (كومة) سكري، لكن التشخيص الذي أجرته مستشفى مدني، أثبت تعرضه لنزيف، دون الحاجة لإجراء عملية، وقال الطبيب أن النزيف بسيط ولا يحتاج إلى عملية، ونصحهم بنقله لمستشفى علياء التخصصي. حتى ذلك الوقت كانت الأوضاع طبيعية إلى حدٍ ما، مريض مصاب بداء السُّكر، وبعد الفحوصات اتضح تعرضه لنزيف في المخ ويتطلب إجراء عملية على عجل، دون ان يكتشف أحد ذلك. ما حدث بعدها كان يشير إلى أن الأوضاع تتدهور بصورة سريعة، وإلى مأساة حقيقية.
يقول جمال نجل الحاج ميرغني لـ(سودان فيرست)، إنه فور وصولهم مستشفى علياء وعقب إجراء الفحوصات الروتينية، كانت هناك حاجة لفحص دم وتركيب (فراشة).. عند هذه النقطة بدأت الأمور تسوء، وأضاف: “شعرت بأن الممرضة زرعت (الفراشة) في يد والدي بطريقة غريبة تماماً”، لم ينتظر جمال طويلاً للتأكد من حدسه، حيث اتضح بالفعل تركيب (الفراشة) بصورة قاتلة، وأضاف جمال: (كان من الواضح رؤية والدي متأذياً بشدة من الألم).. استمر الألم وظلت (الفراشة) لنحو ساعات (مزروعة) بوضعها الغريب في يد المريض، وفور نزعها، كانت المأساة، ظهرت علامات غريبة على اليد، وقد توقفت عن الحراك، كما لو انها شُلت، لقد توقف الدم وتغيّر لون الذراع إلى السواد، وكان والده وقتها قد فَقدَ الوعي.
أول ما تبادر إلى الأسرة أن (إبرة الفراشة) منتهية الصلاحية، أو تم إدخالها للجسم بطريقة خاطئة، فتم إخطار الطبيب بالتطورات السلبية، وما قامت به الممرضة، لكن فيما يبدو فإن الطبيب تعامل بنوع من اللا مبالاة، حيث نصحهم فقط بـ(تدليك) اليد.. لم ينجح (التدليك) بالطبع، ولجأوا لعمل صورة أشعة لليد اليمنى، وجاءت النتيجة مخيفة (فشل في الأوعية الدموية وبحاجة لتدخل جراحي دقيق وسريع).
مستشفى علياء بدورها وفيما يشبه التبرؤ، طلبت منهم الذهاب للخرطوم لمقابلة طبيب مختص لإجراء العملية، وما حدث بعد ذلك، كان مؤسفاً للغاية، بحسب أسرة “عم ميرغني”، بعدها اختفت الممرضة تماماً فور ارتكابها ذلك الخطأ الطبي الفادح، دون حتى تقديم اعتذار، أما الطبيب المختص نفسه لم يبتعد كثيراً عن تصرف ممرضته، ففور علمه بأن ما حدث خطأ طبي، اكتفى بالقول لأسرة المريض (بعد دا ما عندي ليكم حاجة).. تلك العبارة وفي ذلك المقام، كانت اشد إيلاماً عليهم، حتى إنّ أحد أبناء المريض حاول الاعتداء على الطبيب، فقام الأخير بإبلاغ الشرطة التي دونت بلاغات في مواجهة أسرة المريض بحجة الاعتداء على كادر طبي.
إدارة المستشفى من جانبها، تجرّدت من انسانيتها وتضامنت مع الطبيب المُعتدى عليه، وقامت بحملة (دفتردارية)، حيث منعت الإسعاف الذي سيقل المريض للخرطوم من دخول المستشفى، بحسب اسرته، وتم إيقاف الإسعاف لفترة من الزمن من قبل رجل نظامي، والمريض يئن على سرير الإسعاف، كانت المخاطر تتفاقم مع تأخر الوقت.
قبل الذهاب إلى الخرطوم، كانت الصورة أكثر وضوحاً للدكتور طه عثمان طه، وفور معاينة يد المريض، بادرهم مُتسائلاً: (دي فراشة واللا شنو؟). في ذلك الوقت كانت اليد اليمنى قد تسممت تماماً، فسارع الطبيب المختص في مسشفى الجودة بالخرطوم “الصادق عبد السيد” لإجراء عملية لبتر اليد اليمنى، وقد كان، حدث ذلك لأن ما كان سيحدث لاحقاً هو أنّ المريض كان يمكن أن يفقد حياته لو تباطأوا في بتر يده، وحتى عملية بتر اليد نفسها، كانت نسبة نجاحها ضعيفة للغاية، لكن الطيب الصادق عبد السيد كان حاذقاً وحريصاً على حياة الرجل، بشكل أعاد الأمل وأدخل الفرحة على أسرة عم ميرغني
تلك واحدة من قصص كثيرة، قصص يتحول فيها المرضى إلى ضحايا وتدفع أسرهم أثماناً باهظة، ويلوذ المخطئون بحماية مؤسساتهم عن تحمل المسؤولية، مسؤولية ما اقترفت ايديهم!! وهو وضع مؤلم، لا يستطيع تخيله إلا من يكابده، ان تدخل المستشفى طلباً للشفاء وتخرج منها بيد مبتورة، وبلاغات أيضاً فى حق أسرتك، فما عليك إلا أن تموت في صمت، وتتحمّل الاستهتار بالأرواح وعدم المساءلة، واستسهال الأخطاء التي ترقى إلى وصف الجرائم..!