الخرطوم- سودان فيرست
عند الساعة الثالثة من ظهر السبت السادس من أبريل من العام الماضي، كان مُحيط القيادة العامة للجيش وسط الخرطوم، قد ازدحم بهتافات الثوار وزغاريد الكنداكات، وأضاف الثوار زخماً جديداً للسادس من أبريل، فبعد الإطاحة بجعفر نميري في هذا التاريخ، أفلحت ثورة ديسمبر في استدعاء ذات التاريخ للإطاحة بنظام المخلوع عمر البشيبر بعد أكثر من ثلاثين عاماً عجافاً.. قاوموا فيها الترهيب والاعتقال.. اقتلعوها من بين رائحة البنبان ومن بين سياط العسكر.. كانت فرحة مكتومة.. خرجت اليوم تباعاً على صفحاتهم الشخصية عبر مواقع التواصُل الاجتماعي وهم يحكون ذكرياتهم في تلك اللحظات للدرجة التي جعلت (تريند) (كيف دخلت القيادة يوم 6 أبريل؟) يتصدّر اليوم الاثنين، مواقع التواصل الاجتماعي.. لم يكن للثائر الأعزل سوى الحجارة وأعواد الأشجار الجافة وإطارات السيارات التي تعينه على المضي والتمترس في طريق غاياته الأولى، ليأتي هذا العام وهم أسرى للحجر المنزلي بسبب (كورونا)، يستعيدون لحظات لذة الانتصار.
ذكريات مصحوبة بالحُزن والفرح، بإمكاننا فيها الوقوف على مشهدٍ وحيدٍ من خلف الحُزن والرُّكام الذي حَف عتبات القيادة، ذلك المشهد الذي حدث عندما كان أبريل في عشريته الأولى ماضياً في عليائه، وصباحات ميدان الاعتصام مليئة بالثوار، حينها حلّقت روح شهيد الترس النذير عبد الباقي إلى بارئها في 9 أبريل 2019 على أبواب مدينة الثوار ووجد جسده ملقياً على أحجار المتاريس، مخترقاً برصاصةٍ غادرة في الصدر، كانت أصابعه ممسكة على أطراف عود شجر (يابس).
أخلاق الثُّوّار
كانت تحف هؤلاء الثوار روح واحدة، واضعين السودان نصب أعينهم، ولم تكن هتافات، مدخل ميدان القيادة هو الوحيد الذي يدل على روح المعتصمين، بل كانت إشارات الوداع أيضاً تدل على رهافة حس هؤلاء، وهم يقاومون البطش بالحسنى والرجاءات، ولكن مقابل ذلك اتفق هؤلاء الثوار ضمناً على قيم وميثاق شرف لحماية منصة القيادة وهي عدم الإخلال بالأمن والسلامة، إضافة إلى السلوك المكتسب الذي استشرى بين الثوار والحفاظ على الثورة حتى لا يتم إجهاض هذا الجنين الذي لا يزال في طور التخلق، حاديهم في ذلك شعارات مؤثرة أتت عفو الخاطر من أجساد غضة برؤوس كثيفة غير حليقة، وكنداكات قويات، رقيقات، متمرسات على الخطوط الأمامية.. وحشود تتدفّق على الميدان من كل الاتجاهات، يحفها حماس خفي، وأقدام تمغنطت على المسير في هذه الشوارع ولسان حالهم يقول (صابِّنها)، وفور دخولك إلى نقطة التفتيش الأولى تجد الشباب يحملون لافتات كتبت عليها (ابتسم وأنت على أبواب الميدان).. تمضي من تلك اللافتة قليلاً، تجد شاباً واضعاً بعضاً من قوانين الثوار على ورقة صغيرة مكتوبة بخط اليد (الثوري لا يكذب.. الثوري لا يسرق.. ولا يتحرش).
روح الشير
جمعتهم جميعاً تلك المُعتقدات، والسمة الصوفية السودانية، وأعمال الخير، وروح الشير، فقد شكّل المتطوعون أسمى صور التآسي وتفرّغت أغلى قطاعات الشعب السوداني إلى العمل التطوعي، منها (مدرسة شهيد خشم القربة الأستاذ أحمد خير)، مدرسة على الهواء في ساحة الاعتصام من أجل أطفال الشوارع.