الخرطوم- سودان فيرست
لم تكن السيدة رجاء نيكولا عبد المسيح، تعلم أنّها ستكون واحدة من منظومة التغيير في المرحلة الانتقالية، كما أنّها لم تتوقّع أن يأتي اختيارها لتمثل المسيحيين في السودان، لتصبح الفرحة فرحتين، فرحة بتولِّيها منصب أول امرأة في مجلس السيادة في تاريخ البلاد، جنباً إلى رفيقتها الأستاذة عائشة، وأخرى بإنصاف الأقباط داخل مؤسسات السُّلطة.
ظلّت رجاء على مدار ستة أشهر منذ تولِّيهم سدة الحكم في البلاد تعمل بجدٍ واجتهادٍ، تلتزم الصمت إلا من بعض اللقاءات والتصريحات.. (سودان فرست) التقطت بها في دردشة تناولت العام والخاص:
*رجاء نيكولا أو سيدة مسيحية في مجلس السيادة السوداني منذ نيل الاستقلال، كيف تنظرين لهذا الأمر؟
هو بالتأكيد بداية لاكتسابنا ومُمارستنا لحقوقنا كمُواطنين سُودانيين في المقام الأول، وأيضاً بداية لتحقيق الحرية والسلام والعدالة للسودانيين بغض النظر عن دياناتهم عموماً.
*أنتِ الآن تعملين وسط مجلس ذكوري بحت إلا من سيدة واحدة وهي الأستاذة عائشة السعيد، فضلاً عن أنكِ أيضاً المسيحية الوحيدة وسطهم، هل ثمة مشاكل تواجهكِ؟
أبداً على الإطلاق لم تواجهني أي مشاكل داخل مجلس السيادة، أنا عملت في الخدمة المدنية منذ العام ١٩٨٢، وتدرّجت في وزارة العدل منذ كنت مستشار مساعد تحت التمرين، لم تُواجهني أيِّ مُضايقات خلال سنوات خدمتي سواء على أنني امرأة أو على مستوى أنني امرأة مسيحية، هُناك تعايُشٌ جميل بين السودانيين المسلمين والسودانيين الأقباط بشكل عام.
*لأيِّ اعتبارات يأتي تمثيلكِ للطائفة المسيحية داخل مجلس السيادة، هل لاعتبارات الحُرية والتمثيل العادل لكل مُكوِّنات الشعب السوداني في سودان ما بعد الثورة، أم أنه لدور الطائفة القبطية في اعتصام القيادة العامة بالخرطوم؟
من المُفترض أنّ اختياري هو تمثيلٌ لكل المسيحين على أساس المُواطنة، وأعتقد أنه تم اختيار مسيحي امرأة كنوع من المُحاصصة لأنّه بحسب الوثيقة الدستورية، يُفترض أن يكون هُناك تَمثيلٌ مُقدّرٌ للمرأة في مجلس السيادة والمجلس التشريعي، كما أن هناك دوراً لكل الطوائف المسيحية وليس القبطية فقط .
*كيف وجدتِ تجربة الانتقال من العمل القانوني إلى السياسي؟
دون شكٍّ، هناك اختلاف بين العمل القانوني والسياسي وإن كان هناك تداخل بين القانون والسياسية على حد سواء، لكن المسؤولية في العمل القانوني في حدود الوظيفة فقط، أما المسؤولية في العمل السياسي كبيرة، وهي أنك مسؤولة عن شعب وبلد بأكمله سواء على المستوى الفردي أو المُستوى التضامُني مع بقية أعضاء المجلس السيادي ومجلس الوزراء.
*على الرغم من قصر مدة تولِّيك منصبك في المجلس، ما هي المكاسب التي حقّقتها المرأة المسيحية عموماً حتى الآن؟
حتى الآن لا يُوجد مكسبٌ سوى تعييني أنا في مجلس السيادة، وقبل ثلاثة أشهر تمّت ترقية وتعيين امرأة مسيحية إلى منصب مدير صندوق المعاشات من قبل رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك.
*لو تحدّثنا بشكلٍ عامٍ، ما هي مكاسب المسيحيين في السودان عقب الثورة؟
نحن نعمل على إرساء التعايُش الديني في السودان.. ونحن المسيحيون كانت تواجهنا مشاكل كثيرة.
* ما هي أبرز المشاكل التي تواجهكم بالضبط؟
عطلة المدارس، كانت وزارة التربية سابقاً تجبر المدارس الخاصة وخاصة تلك التي تتبع للكنائس بأن تُعطِّل أيام (الجمعة – السبت – الأحد) ثلاثة أيام في الأسبوع، وهو أمر صعب لأنك بذلك تضغط الطلاب للإسراع بإنهاء المقررات، وعندما طالبت إدارات الكنائس والمدارس أن يتم استثناؤهم من عطلة السبت، رفضت وزارة التربية آنذاك الأمر، وقالت إذا أردتم أن تستأنفوا الدراسة يوم الأحد فمن حقكم، وهو أمرٌ مستحيلٌ لأنّ يوم الأحد خاص بالصلاة في الكنيسة، لكن الحمد لله هذا العام راعت ولاية الخرطوم هذا الأمر وسمحت للمدارس الكنسية والخاصة أن تستأنف الدراسة يوم السبت، على أن تكون الإجازة يومي الجمعة والأحد، هذا مكسب من مكاسب الثورة للمسيحيين، أيضاً هناك مكسب آخر وهو بمُخاطبات مني لوزارة الإعلام ووزير الإعلام، قُمنا بإعادة بث برنامج تلفزيوني وإذاعي للمسيحيين يبث مرة واحدة في الأسبوع وهو يوم الأحد ولمدة ساعة، كما أرجعنا العطلة الرسمية ليوم ٢٥ ديسمبر (ميلاد السيد المسيح والتي توقفت لمدة ٩ سنوات).
*جيد.. على الصعيد العام ما هي أهم أولوياتكم داخل مجلس السيادة، التي تعملون عليها؟
في المقام الأول، إرجاع حق شهداء ثورة ديسمبر المجيدة وإرساء دعائم السلام وتحقيق سلام شامل، لأنّ السودان دُون سلامٍ لن تقوم له قائمة.. السودان عاش نزاعات لسنواتٍ طويلة، أيضاً نعمل على مُحاربة الفساد الذي استشرى لسنوات، بجانب سَن قوانين جديدة وتعديل لقوانين سابقة لمنح الحُريات لعامة السودانيين، وتعديل القوانين التي تقمع الحريات أو إلغائها إذا استدعى الأمر.
*ما الذي تم تعديله من القوانين وما ينتظر أيضاً؟
ما تم حتى الآن هو أننا قُمنا بإلغاء قانون النظام العام واستصدرنا قانوناً جديداً وهو قانون تفكيك نظام الثلاثين من يونيو وإزالة التمكين، وبحسب علمي فإنّ هناك قوانين تمّت إجازتها في مجلس الوزراء لكنها لم تُعرض حتى الآن على المجلس التشريعي (مجلس السيادة والوزارة).
*مكاسب الثورة ما تم وما لم يتم؟
الذي لم يتم أكثر بكثير مِمّا تم إنجازه، أكثر شئ يشغلنا حالياً هو السلام، فإذا اكتملت كل الاتفاقيات مع الحركات المُسلّحة سيكون هذا إنجازاً عظيماً وكبيراً لنا وللحكومة.
*على ذكر السلام.. الآن يُمكن القول إنّ عملية السلام قاربت على الانتهاء وسيكون هناك أعضاءٌ جُددٌ في مجلسكم، ما هي التدابير المُتوقّعة؟
حسب ما نسمعه من وفد الحكومة الذي يقوم بتنويرنا وأخذ الشورة من وقتٍ لآخر، أنّ الحركات المسلحة طالبت بعدد من المقاعد لمجلس السيادة والوزراء والتشريعي.
* كم عددها بالضبط؟
حتى الآن لم يتم تحديد مقاعد بعينها، مازالت عملية التفاوُض مُستمرّة بين الأطراف.
*تُواجهكم داخل المجلس تحديات كبيرة؟
نعم.. أبرزها عقب السلام، الضائقة الاقتصادية التي تمثل تحدياً بالنسبة لنا، مشاكل الخبز والوقود تشعرنا بضيق شديدٍ.
*على الرغم من أنّ حل هذه المشكلات من صميم الجهاز التنفيذي، إلا أنّ المواطنين يُحمِّلونكم المسؤولية الأكبر؟
الناس يسألوننا أين أنتم يا ناس السيادي عندما تضيق الأوضاع, نحن نعمل ولكن نشعر بضيقٍ، كلما حللنا مشكلة نجد أخرى، لكن عزاؤنا الوحيد أننا نعمل بما يمليه علينا ضميرنا ونخشى الله في عملنا، جميعنا في المجلس نشعر بالمسؤولية ونخشى الرب.
*عندما تسوء الأوضاع ويذهب البعض للمُقارنة بالأوضاع السابقة وتردي الخدمات أكثر، كيف تبدو تلك المقارنة بالنسبة لك؟
المقارنة هنا معدومة، النظام السابق عاث فساداً طيلة الثلاثين عاماً، ونحن لنا 6 أشهر فقط، نحن أتينا ووجدنا البلاد مُدمّرة، نحاول أن نصلح فيها بكل ما أوتينا من قوة، نحن نعالج مشاكل المُستشفيات والمدارس وغيرها، الذين سبقونا، عملهم كان سلبياً ونحن عملنا إيجابي.
* إذن التناغُم بينكم ومجلس الوزراء؟
لا نجتمع كثيراً، الاجتماعات المُشتركة بينا وبينهم منذ تشكيل الحكومة وحتى الآن لم تتجاوز الأربعة اجتماعات، وهو عدد غير كافٍ، لكن رغم ذلك نحاول أن نُساعدهم من منطلق أن البلاد تهمنا جميعنا، لأنّ البلاد لو لا قدر الله انهارت فإنّ الشعب لن يسأل مجلس الوزراء فقط، إنما سيسألنا جميعنا، نحن في خندق واحد مع بعض ويجب أن نتضامن لأجل البلاد، هم يعملون ونحن نتدخّل في أحيان كثيرة في عملهم ونُقدِّم لهم ملاحظاتنا.
* هل يتقبّلون تلك المُلاحظات؟
أحياناً يتقبلون وأحياناً لا، لكن في نهاية الأمر يلتمسون لنا العذر لأنّ قلبنا على البلاد.
* أخيراً كيف تنظرين إلى مكاسب انفتاح السودان على العالم الخارجي؟
نتمنّى أن يقف العالم معنا في رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وترفع بقية العقوبات، وأن يكون هناك دعمٌ وتعاونٌ في الزراعة والصناعة وتوليد الكهرباء وغيرها .