الخرطوم- سودان فيرست
الوازا هى أبواق من (البُخس) اشتهرت بها قبيلة البرتا، وهي إحدى قبائل النيل الأزرق، تقطن أرضاً تمتد على طول المرتفعات الإثيوبية من النيل الأزرق وحتى خور يابوس، في أرض تتمتّع عموماً بمناخ السافنا، حيث تنمو الحشائش الصالحة لرعي الحيوان وتنبت أنواع كثيرة من النباتات والأشجار.
تُصنع أبواق الوازا من نوعٍ خاصٍ من القرع (البُخس) يطلقون عليه (أقو) وهو مخروطي الشكل، وينمو بأحجام وأطوال مُختلفة، وتتم زراعته قُرب المنازل، حيث تبنى له راكوبة يتسلّق عليها وينمو مُستقبلاً، وتبدأ عملية التصنيع بوضع هذه (البُخس) العدة داخل بعضها بعضاً، بدءاً بالأكبر حجماً إلى أن تصل الفتحة الي يضعها العازف على فمه وتُسمى (ألاش) ويتم تثبيت هذه (البُخس) المُتلاصقة إلى بعضها بواسطة أعواد ثم تحضر شرائح من القنا بطول البوق المُصّنع وتربط بلحاء الأشجار على الجدار الخارجي للبوق حتى تكون مُتماسكةً .
تتشكل آلة الوازا من مجموعة كاملة تضم عشرة أبواق، غير أنّه تُوجد بعض الفرق التي تستخدم ثلاثة أخرى صغيرة الحجم وبوقين وقرن ماعز، وتنقسم الأبواق العشرة إلى مجموعتين بحيث تُكوِّن كل خمسة منها مجموعة، فكل فرد من أفراد المجموعة (أ) يحمل على كتفه اليمنى عوداً معكوفاً يضرب عليه بقرن ماعز صغير لإصدار الإيقاع حسب أدائه المُوسيقي، أما المجموعة الثانية والتي تتكوّن من الأبواق الأكبر حجماً، فإنها تتبع خطوات المجموعة الأولى، حيث أنها تؤدي ذات الأصوات ولكن في درجة صوتية أغلظ، وبعض الأبواق تُسمّى بأسماء مثل (أشورو، أشورو دانق)، (شيز، شيز دانق)، فكلمة دانق في لغة البرتا تعني الكبير، فالبوق المُسمّى (أشورو دانق) التابع للمجموعة الثانية يعطي نفس الصوت الذي يعطيه البوق المُسمّى (أشورو) التابع للأولى، ولكن في درجة صوتية أغلظ يُطلق عليها (أوكتاف) بالاصطلاح الموسيقي.
وتُحظى الوازا لدى البرتا دون غيرها من الآلات الموسيقية بعنايةٍ فائقةٍ، حيث تقام لها طقوسٌ مباركةٌ عند بداية كل موسم حصاد، فيسكب عليها شيئاً من (الباصا) وتُنحر لها الذبائح، وينثر عليها الإنتاج الجديد من الذرة بعد مضغه بالفم، كل ذلك الوازا تُصنع من نوعٍ خاصٍ من (البُخس)، والتي تدخل ضمن المحصولات الزراعية ويُستعان فيها (بشيخ العادة) لحمايتها، حيث تنقل البركة إليها من خلال الإنتاج الجديد للذرة المنثورة عليها والذي تتم مُباركته إبان إقامة طقوس عادة جدع النار.
وبعد إجراءات مباركة الوازا، يُسمح بالعزف عليها بدءاً بالأغنيات المقدسة الثلاث (بقرو)، (سوس) و(يويو)، وهي أغنيات في مُجملها تُوضِّح نظرة البرتا كمجموعة إثنية للحياة وما يجب أن ينتبه إليه الفرد من أولويات تأمين وجوده، فالوطن قبل كل شئ والاعتزاز به وتقديسه والتغني بحبه وأحب كل الأفراد في المجتمع، ولا تخرج المُناسبات السعيدة التي تستدعي اللعب بالوازا عن إطار هذه القيم، فتغيير بناء المنازل ما هو إلا تأكيد لبناء الوطن والمُواطنة، فالأبواق المُباركة هنا مصنوعة لخلق وحدة مُجتمعية مُؤكّدة بتعابير قيمة سامية تُؤسِّس لوجدان الفرد في مُجتمع البرتا ومظاهر نظرته الأشمل لكل ما هو إنساني مُحيط به .