حاوره ــ محمد الأقرع
(كانت هذه اللحظة هي الوحيدة التي التقيت فيها بمجموعة من المتظاهرين السلميين على مدار إقامتي بالسودان في ذلك الوقت، شعرت ساعتها بتضامنهم الذي لا ينطفئ مثل الجمرات التي لا تتوقف عن التوهج). هكذا علق مصور وكالة الأنباء الفرنسية (ياسويوشي شيبا)، الذي فازت صورة له من أحداث ثورة ديسمبر بجائزة الصحافة العالمية لأفضل صورة في العام 2019.. بينما قال رئيس لجنة التحكيم في المسابقة ليكغيتو ماكولا إنه على الرغم من التقاط الصورة في وقت صراع، إلا أنها ملهمة، فنحن نرى شاباً لا يطلق النار ولا يرمي الحجارة، لكنه يلقي قصيدة تؤكد على الإحساس بالأمل وتسلط عليه الضوء.
الصورة مثار الاحتفاء، تظهر شاباً سودانياً في حي جبرة جنوب الخرطوم، وهو يهتف بالشعارات الثورية عقب مجزرة فض الاعتصام، وحوله آخرون يحيطون به ويسلطون الأضواء من أجهزة هواتفهم المحمولة. (سودان فيرست) استطاعت أن تصل إلى الشاب محمد يوسف، الظاهر في تلك الصورة الفائزة وأدارت معه هذا الحوار القصير:
*ما هو تعليقك على فوز الصورة التي تظهر فيها وتفاعل السودانيين معها بعد ذلك…؟
ــ أولاً بالنسبة لصورتي التي التقطها لي المصور الياباني، ما هي إلا مجرد صورة رمزية، معبرة عن مدى قوة وإصرار شعب الثورات وعزمه لإيصال ثورته لذروتها، مدججين بالهتافات الوطنية و(الزغروتة الحماسية).. كان يوماً واحداً، لكن بالنسبة لي كان عاماً كاملاً لكثرة أحداثه المحفوفة بالمخاطر. *احكي لنا عن ذلك اليوم…؟ ـــ اجتمعنا أنا ورفقاء النضال منذ شروق الشمس للتحضير للندوة المرتقبة، وكنا مسبقاً قد خططنا لكل خطوة. ورغم تأميننا التام للندوة، إلا أن التوتر والقلق من أي هجوم متوقع من قبل القوات النظامية، كان ينتابنا بين الفينة والأخرى، ومن المعلوم أن قادة الحراك كانوا حضوراً وعلى راسهم محمد ناجي الأصم، قبيل حضور قادة الحراك ببضع دقائق، تم قطع الكهرباء وقد توقعنا حدوث ذلك بالفعل، لذلك احضرنا مولد كهرباء وذهب البعض منا لإحضاره من منزل ليس ببعيد عن موقع الندوة، وبينما الناس جلوس وفي حالة خوف وقلق وسخط من قطعة الكهرباء، طلب مني أحد الأصدقاء الشروع في إنشاد الهتافات الحماسية لإخراج الحضور من اليأس الذي أحاط بهم، بدأنا بالتصفيق لالتفاف الناس حولنا وبمجرد ان أحاط الحشد الهائل بنا، تقدم أحد أسود النضال بصوته المهيب ينشد أقوى الهتافات والأشعار التي تهز كيان المرء عند سماعها وتزيل منه الخوف وترسم في وجهه ابتسامة النصر.
*هل تتذكر بالضبط لحظة التقاط الصورة…؟
ـــ نعم لحظتها كانت فلاشات الهواتف موجهة نحونا، توقف قلبي عن الخفقان ودمعت عيني للحظات عندما سمعت الحشد وهم يشهرون هتاف(الدم قصاد الدم ما بنقبل الدية)، تذكرت فجيعة الثالث من يونيو وما صحبها من أحداث، سرحت لدقائق وأنا اتذكر العبارات الأليمة التي كان يستغيث بها الثوار العزل، وانتابني حزن وألم عميق عندما تذكرت تلك الأحداث، لكن تلى ذلك الحزن حماس مفعم بالشجاعة الثورية، وزاد حقدي وبغضي للمتنمرين عديمي الرحمة، تقدمت الصفوف شاهراً هتافي (دقوا النحاس من ضي …الخ) بصوت يملؤه الحزن وتخنقه العبرة في منظر تقشعر له الأبدان، في تلك اللحظات توجهت فلاشات الهواتف نحوي لمعرفة الثائر المجهول، الصورة تم التقاطها في تلك اللحظات اللحظات المؤثرة.
*عن ماذا كانت تتحدث الندوة…؟
ــ الندوة كانت تتحدث حول عدم التفاوض مع القتلة، حضر القادة ووقف الجميع كالبنيان المرصوص احتراماً لنضالاتهم ودبوا فينا القوة وازدادت النفوس عزيمةً وإصراراً وقد قطعواً عهداً بأنه مهما كانت الظروف والدواعي، لن يتفاوضوا مع قتلة إخوانهم، وبالتوقيع على الوثيقة الدستورية نكثوا تلك العهود.
*ماذا حدث بعد الندوة…؟
ــ تفرق الجميع وذهب كل الحضور عدا نحن أبناء الحي، جلسنا في “مسطبتنا” المعتادة نتسامر الحديث عن هذا اليوم العصيب، وبعد حوالي ساعة شرعنا في تنظيف الميدان وتنظيم الكراسي حتى لا يوبخنا عند الصبح “العم نوركو والحجة حسونة” وبعد مرور وقت ليس بطويل، أنجزنا المهمة وذهب الجميع إلى بيته للنوم باستثنائي انا جلست وحيداً استحضر أحداث هذا اليوم إلى أن أحسست بالنعاس وبت امشي متأرجحاً من شدة التعب إلى أن وصلت إلى سريري.
*أخيراً ماذا تريد أن تقول…؟
أود أن أوجه رسالة إلى معشر الثوار بأن جاهدوا وثابروا وقاوموا وموتوا على ما شرعتم فيه.