تقرير ــ محمد الأقرع
بعد جدل كثيف، كذبت السلطات السودانية أمس الأحد، الأخبار الرائجة عن بيع ميناء بورتسودان لصالح شركة موانئ دبي، وأوضح وزير المالية إبراهيم البدوي أن تلك الخطوة شأن متعلق بأصول وممتلكات الشعب، ولا يمكن التصرف فيها إلا عبر مسار تتوفر فيه كافة شروط الحوكمة الرشيدة من نزاهة وشفافية، وتعمل الحكومة جاهدة لتطبيق خطة إسعافية لتشغيل الميناء بكامل طاقته. بالرغم من نفي الحكومة، إلا أن شائعات البيع المتواصل تفتح الباب واسعاً حول مستقبل هذا المرفأ البحري، خاصةً في ظل الأحاديث الواردة بأنه يمثل الهدف الاستراتيجي لعدد من دول الإقليم التي تسعى للسيطرة عليه.
ويشكل ميناء بورتسودان، مورداً إقتصادياً مهماً للدولة لأن (60%) من إيرادات الجمارك تمر عبره، كما أنه يعتبر مصدر الدخل الأساسي لأعداد كبيرة من مُواطني ولاية البحر الأحمر، خاصة الفئات التي تعمل في الشحن والتفريغ.. وفي وقت سابق بدأت الحكومة تبحث إمكانية الدخول في شراكات، برّرتها بدوافع التوسيع وتطويره ومواكبة التقنيات الحديثة.
ففي العام 2008م، قدمت ذات الشركة التي دار حولها لغط أمس (موانئ دبي)، عرضاً لتخصيص ميناء بورتسودان لصالحها، إلا أن الحكومة وقتها رفضت العرض، واقترحت على الشركة الإماراتية إدارة الميناء الجنوبي، لكن الشركة رفضت ذلك وغادرت قبل أن تعود في العام 2016م وتدرس خيار الميناء الجنوبي الذي قوبل بالرفض من قبل الأهالي والعمال، وذلك بعد أن علموا بنية الشركة تقليص العمالة.. المحتجون استطاعوا حينها الالتقاء بالوفد الإماراتي وتقديم مذكرة احتجاج مما اضطرهم الى مغادرة السودان مجدداً.
وقبل سنوات أيضاً، كانت قد قدمت شركة (بولوري) الفرنسية، عرضاً لتشغيل ميناء بورتسودان بالإضافة لإنشاء ميناء آخر وربطه بشبكة طرق ضخمة، وقبل ذلك العرض أيضاُ كانت قد وقعت حكومة الرئيس المخلوع عمر البشير، اتفاقية تفاهم بينها وبين الحكومة القطرية لإدارة نفس الميناء، رغم أن أغلب المحللين حينها وصفوا الخطوة بأنها مجرد مناورة من الجانب القطري، الذي يرغب عبر تلك الاتفاقية تسجيل أهداف سياسية ضد دول الخليج التي أعلنت الحصار على قطر.
ولعل ميناء بورتسودان رغم تفوقه بعدة مزايا طبيعية على الموانئ القريبة بالمنطقة، إلا انه في نفس الوقت يعاني مشاكل ضخمة مثل عدم استيعابه للسفن الكبيرة، بحيث أن معظم السفن التي تحمل بضائع للسودان تضطر للذهاب إلى موانئ مجاورة لتفريغ البضائع وتحويلها إلى سفن صغيرة وهو بحسب وصف الخبراء له فهو لا يزال ميناءً (رافدياً) وليس (محورياً)، كذلك يعاني ميناء بورتسودان من كثرة الرسوم والجبايات وارتفاع قيمتها، فضلاً عن إشكالات أخرى متعلقة بضيق وقلة الطرق التجارية الضخمة المرتبطة به، وعلى ضوء ذلك يستند الأشخاص الذين يؤيدون مسألة البيع أو التأجير باعتبار أن تطوير الميناء الحالي مسألة ضرورية ولن تستطيع الدولة وحدها القيام به لأنه يحتاج إلى رأسمال ضخمٍ.
بالمقابل، يرى مراقبون أن هناك مخاطر حقيقية في قضية تسليم ميناء بورتسودان لشركات أجنبية سواء كان ذلك عن طريق المشاركة أو الخصخصة، فالذي يدخل عن طريق الشركة دون شك ستكون له آراء حول تقليل العمال واستبدالها بأخرى من دول مختلفة، اما (الخصخصة)، فإن المراقبين يشيرون إلى مشاكلها الكثيرة، خصوصاً وان الشركة التي رسى على العطاء قد تُقيد حركة التجارة في الدولة عموماً، ويستدلون بنموذج (ميناء عدن) الذي اتهموا فيه شركة موانئ دبي ــ التي خصص لصالحها ــ بإهماله بهدف إنعاش ميناءها الخاص.
على العموم، يمكن أن يحدث ميناء بورتسودان تحولاً قتصادياً هائلاً ليس على مستوى مدينة بورتسودان وولاية البحر الأحمر فحسب، بل على مستوى السودان، إذ يمكن عبره نقل صادرات وواردات الدول الأربع المجاورة (إثيوبيا، جنوب السودان، تشاد وإفريقيا الوسطى)، كما يمكن لبيوتات التمويل والدول الصديقة أن تُنشئ مناطق حرة ومرافق سياحية بمواصفات عالمية على ساحل البحر الأحمر .. استناداً على ذاك يحذر المتابعون من أن تكون هذه الميزة الإقتصادية المستقبلية تجعل الميناء على الدوام تحت أعين الشركات النافذة في المنطقة والطامعة في إحتكاره، داعين الحكومة السودانية لأن تكون حصيفاً في التعامل مع قضايا التمويل والتطوير بما يخدم مصالح البلاد.