حوار- تسنيم عبد السيد
كمية الجوائز التي حصدها فيلم (ستموت في العشرين) بمهرجانات العالم، كانت سبباً للالتفاف حوله، والرهان عليه، ومتابعة نجاحاته بشغفٍ من جميع السودانيين، وما أن تسرّبت بعض المشاهد من الفيلم، إلا وانقسمت الآراء بين مؤيد لجرأة الطرح، ومعارض بفلسفة الخروج عن العُرف والتقاليد السائدة.. (سودان فيرست)، استنطقت بطلة الفيلم، الممثلة القدير إسلام مبارك، فأدلت بالكثير والمثير وأزاحت الستار عن كثير من الحقائق الغائبة:
* متى كانت بداية دخولك إلى مجال التمثيل؟
ــ في بداية الألفية الثانية “2001م تقريباً”.
* هل لتخصصكِ الدراسي علاقة بالمجال؟
ــ لا، دراستي الجامعية كانت في تخصص علوم الحاسوب، ولكن بعد ذلك ظهوري في أعمال درامية وجد النجاح والقبول، وقررت صقل الموهبة بالدراسة ودخلت كلية الموسيقى والدراما.
* كيف تم اختياركِ للمشاركة في فيلم (ستموت في العشرين)؟
ــ بالصدفة المحضة، كنت في زيارة اعتيادية للمسرح القومي، وجدت مُخرج الفيلم أمجد ابو العلا يُجري بعض الاختبارات لاختيار مُمثلين للفيلم، وقررت أن أُجرِّب، فخضعت لعدة اختبارات تتعلق بشخصية الفيلم، ولم أكن أتوقع أن يتم اختياري.
* لماذا لم تتوقعين أن يقع عليك الاختيار؟
ــ لأني لم أكن مستعدة ومهيأة لتلك الاختبارات، وإنما فقط شاركت في الاختبار من باب الفضول والإعجاب بهذا النمط الجديد والغريب لاختيار الشخصيات للأعمال الدرامية، وإستمتعت بالتجربة، وذهبت ولم تكن لي صلة مُسبقة بالمخرج أمجد أبو العلا.
* وماذا حدث بعد ذلك؟
ــ بعد أسبوعين من الاختبار اتصلوا بي ليُخبروني أنني نجحت وتم اختياري للمشاركة في الفيلم، وكان ذلك قبل عامين من بدء التصوير 2016م تقريباً.
* وماذا بعد الاختيار؟
ــ سعدت بالاختيار للمشاركة، ولكن طلبت قراءة النص أولاً قبل الموافقة، وبعد أن قرأت القصة أُعجبت بها جداً وتشوّقت لدور “سكينة”.
* ما الذي شدّ انتباهك في شخصية “سكينة”؟
ــ أكثر ما شدَّني للشخصية هو أنني سأُمثل بدون “مكياج” أو على الأقل بمكياج (يبشتنك) ما ح يسمِّحك، وكانت مفاجأة كبيرة للناس خاصة في المهرجانات خارج السودان.. الاختلاف في شكلي بين الواقع والفيلم، وعلامات الاستفهام تلك كانت بالنسبة لي مؤشرا للنجاح في تقمُّص دور “سكينة” كما يجب أن يكون، ومن الصعب أن تجد ممثلة تقبل الظهور بوجه شاحب وحزين وثوب أسود طوال العمل، إضافة إلى أنني أحببت أن أوصِّل رسالة عبر “سكينة” للمرأة السودانية البسيطة لتتعرّف على الواقع عن قُرب.
* البعض يعتبر أن هذه القصة “شطحة” وخيال لا يمكن أن يكون واقعاً؟
ــ هذا حديث غير صحيح، ومن أسباب قبولي لهذا الدور هو أن العمل يناقش قضية حقيقية وواقعاً لا بد من أن يُعكس كما هو لمعالجته بدون (غتغتة ودسديس). وللأسف الواقع أخطر من ما تم عكسه في الفيلم، لم يعد الأمر يتعلق بمعتقد أو تربية، وإنما استغلال، ففي بعض خلاوي القرآن الكريم والتحفيظ نسمع بوقوع أسوأ الجرائم من اغتصاب وتحرش وغيرها، ولأن أبناءنا يرتادون تلك الأماكن بثقة كان لا بد من لفت الانتباه.
* البعض اتهم صُناع الفيلم بالتحامل على الصوفية وإظهارهم في غير واقعهم؟
ــ غير صحيح، وجميع السودانيين متصوفون بالفطرة والتصوف في كل بيوتنا موجود، وحتى الشكل العام لحياتنا يغلب عليها التصوف، لكن لا يصح أن نتعامل مع القضية ككتلة واحدة، لا بد من التعامل بوعي ودراية أكبر (ناخد الكويس ونخلي الكعب)، الثقة المطلقة والاعتقاد الجازم والتأليه لبعض المجموعات الدينية أمر غير مقبول، وما يحدث في تلك الأماكن باسم الدين أمر لا يمكن السكوت عليه.
* هل ذهبتم إلى أماكن شبيهة بقصة الفيلم لتتعرفوا على الواقع عن قرب؟
ــ نعم، في أبو حراز الجنوبية والشمالية وهناك معقّل التصوف، فقمنا باستخراج أذونات للاطلاع على الحياة في المكان والتصوير فيه، وكان هنالك ترحيب من اهل المنطقة.
* البعض يتحدث بعكس ما تقولين، وأن أهل المنطقة واجهوا فكرة التصوير بالرفض؟
ــ غير صحيح، الغالبية العظمى رحبوا جداً بالفكرة.. الممانعة كانت من فرد أو فردين، ولم تؤثر وأكملنا التصوير في نفس البيئة التي تتحدث عنها قصة الفيلم.
* هناك اتهام بأن الفيلم يتضمن بعض المشاهد المُبتذلة التي لا تشبه المجتمع السوداني؟
ــ بصراحة (ما بحب أضاري على الجرح أو أطبطب على الوجع)، دائماً أُفضل المواجهة رغم أن ذلك في مجتمعنا أمر في غاية الصعوبة، لكن الواقع الذي تم عكسه في الفيلم ورفضه البعض واعتبره ابتذالا، المجتمع يعيش أضعاف أضعافه، لكن للأسف نحن مجتمع ندّعي المثالية والمحافظة، ونحب ان لا نرى عيوبنا ونواجهها بفهم (الحاجات الكعبة العندنا خلوها عندنا ما تعكسوها برّه)، إذا لم ننظر لهذا الواقع الموجود بعين الحقيقة (متين حنشوف عوجة رقبتنا)، وكثيرون ممن ينتقدون بعض المشاهد يشاهدون أسوأ منها في أفلام ومسلسلات غير سودانية ويستمتعون بها، لماذا يرفضونها عندما خرجت من البيئة السودانية.
* هل وجود جرأة في الطرح الدرامي أمر مقبول بالنسبة لك؟
ــ ليست هنالك جرأة مُطلقة، تكون مقبولة بالنسبة لي في إطار إيصال الفكرة لمعالجة واقع، وإذا طُلّب مني دور إغراء لمعالجة قضية معينة لن أرفض، ولكن ليس الإغراء الفاحش الذي نشاهده في الأفلام العربية خاصة القديمة منها، وإنما بحسب ما أراه مناسباً ويتفق مع قناعاتي، وبالنسبة للمشاهد في الفيلم هي شبه خادشة لكنها غير مُتعمِّقة، ووجودها كان في إطار مُعالجة قضية وواقع.
* الدراما السودانية طوال الثلاثين عاماً الماضية كانت بلا اثر وتدور في ذات الفلك، ما السبب برأيك هل كنتم تواجهون بضغوط أو تضييق؟
ــ بالتاكيد، لم تكن هنالك حرية للتعبير، النص تتم إجازته عبر عدة لجان وإذا قُدِّر له أن يكتمل كانت هنالك جهة أمنية تشاهد العمل أولاً وتوافق عليه ثم يسمح له بالعرض على المسرح، وهنالك لجنة بالتلفزيون تُراجع الأفلام والمسلسلات قبل العرض ويطالبون بحذف كثير من المشاهد وإدخال تعديلات على المشاهد التي يتم تصويرها، فوصلنا لمرحلة بعيدة من الكذب والنفاق، لذلك تمثيلنا لم يعد مُقنعاً للمشاهد السوداني، وبأضعف الإيمان ممكن يقول (زولة ماشة تنوم لابسة طرحة).
* هل كان يتم إلزامكم بارتداء الخمار (الطرحة) 24 ساعة؟
ــ نعم، حدث أن تمت إعادة عمل من لجنة الإجازة بسبب أن (رقبتي ظاهرة)، لذلك نحن فقدنا المصداقية تماماً، وللأسف كنا مُغلقين تماماً ومُكبّلين بكثير من العوائق، والثلاثين عاماً الماضية كانت الأسوأ في تاريخ الدراما السودانية.
* هل تاثرتِ بالانتقادات التي وجهت للفيلم؟
ــ أنا شخصياً لا اتأثر بما يقال ليس أنفة، ولكن الرأي المضاد إذا كان منطقياً وواقعياً أتقبله برحب وسعة، أما غير ذلك فلا اهتم، ولا أعلم سبباً للهجوم على الفيلم، غير أنه جاء إبان حقبة الإنقاذ ولو كان قبل ذلك لما اعترض عليه أحد، لأن الأفلام السودانية القديمة بها مشاهد أكثر جرأة من (ستموت في العشرين).
* لماذا لم يُعرض الفيلم في السودان؟
ــ كانت هنالك ترتيبات جارية لبدء العروض في السودان، ولكن للأسف بعض الجهات التي لا أعلمها كانت تُعرقل عرض الفيلم للمشاهد السوداني، ما يُشير إلى وجود دولة عميقة تُحارب التغيير.
* برأيك، ماذا ينقص الدراما السودانية؟
ــ الدراما السودانية كلها نواقص، لكن الإنتاج في المقام الاول، لان السينما تحديداً تحتاج لإنتاج ضخم غير متاح بالسودان في الوقت الحالي، ولا بد أن يكون للحكومة دعم لهذه المشاريع، فضلاً عن مشاركة رأس المال السوداني في هذه الأعمال، التي تعتبر تجارة رابحة وهذا الفيلم فتح شهية العالم لمتابعة دراما سودانية تعكس إرث وثقافة مختلفة يتشوقون لها.
* بعد نجاحك في (ستموت في العشرين) الذي تابعه العالم هل يمكن أن نراكِ في أعمال غير سودانية؟
ــ ليست لدي ممانعة في المشاركة في أعمال غير سودانية، والجمهور السوداني موعود بأن يراني في مشاركة عربية قريباً سأُفصح عنها في وقتها.
* هل نحن بحاجة للكثير من الوقت حتى نرى العالم يُتابع دراما سودانية؟
ــ “محتاجين كتير جداً”، عندنا مشاكل كثيرة ابتداءً من التنمر والاستخفاف والحسد إذا تخلصنا من تلك الصفات وبدأنا في دعم بعضنا بصدق (ونعرف يعني شنو السودان)، ونتقاضى عن صغائر الأمور، وتصالحنا مع ذواتنا سوف نخلق سودانا مختلفا.
* لماذا انتِ مُقلة بالظهور في الأعمال الدرامية السودانية؟
ــ لدي مُشاركات مع كبار المُخرجين في السودان افتخر بها وجمهور مُمتنة له، ولكن مُقلة في الظهور لأنني أُدقق في اختياراتي جداً، ولأني اعتبر أن هذا إرث وتاريخ يجب أن يُخلد للأجيال أي اختيار خاطيء يمكن أن ينسف هذا الجهد، وفي هذا الزمان أصبح الصعود للقمة سهلاً ولكن الثبات فيها هو المحك.