الخرطوم- سودان فيرست
مع تفشي جائحة (كورونا) في السودان واقتراب أرقام الإصابة والاشتباه من الألف، دقت وزارة الصحة عبر وزيرها ناقوس الخطر بدخول البلاد مرحلة الانتشار المجتمعي، وهي مرحلة تسببت في وفاة آلاف البشر حول العالم رغم الإمكانيات الكبيرة للدول الموبوءة مقارنة بالسودان، وفي خضم الجائحة، برزت أصوات مطالبة بإطلاق سراح النزلاء بالسجون باعتبارها مكاناً ملائماً لاحتضان المرض نسبة للعدد الكبير من النزلاء، استجابت السلطات عبر المجلس السيادي وأصدرت قراراً بالعفو العام عن النزلاء، ولكن جاء التطبيق ضعيفاً، إذ لا يزال الآلاف من النزلاء يقبعون في السجون السودانية تحت ظروف وصفها البعض بالصعبة، ويعاني العديد منهم من الأمراض المزمنة كالضغط والسكري مما يجعلهم فريسة سهلة لوباء (كورونا) حال تفشيه في السجون بحسب الوضع الحالي..؟
عفو عام
وأصدر المجلس السيادي منذ نحو شهر، قراراً بالعفو العام عن كل محكومي الحق العام في كل السجون السودانية بالمركز والولايات، إلا أن القرار طبق في عدد قليل من النزلاء في سجون (الهدى، كوبر وسجن النساء بأم درمان)، وعزا مراقبون عدم إطلاق سراح البقية لبطء سير الإجراءات.
طوارئ صحية
وقالت عضو المجلس السيادي، عائشة موسى إن المجلس استعجل إجراءات الإفراجات بالتنسيق مع الجهات العدلية، مضيفة أن حالة الطوارئ الصحية التي شهدتها البلاد والعالم أسهمت في الاستعجال بالإفراجات، وشددت عائشة أن الإفراجات بدأت بسجن الهدى باعتباره الأكثر اكتظاظاً بالنزلاء وفق شروط يوقع عليها النزلاء بعدم العودة مرة أخرى لممارسة الجرم الذي أدخلهم السجن، وأضافت: (سننظر في أمر محكومي الحق الخاص).
مسؤولية الدولة
الأستاذ والقانوني نبيل أديب عبد الله قال في تصريح لـ(سودان فيرست)، إن القرار ليست له علاقة بما ارتكبه النزيل من جرم، لكنه جاء بسبب جائحة (كورونا) التي اجتاحت العالم، ولكن الدولة من واجبها المحافظة على حياة المواطنين بما فيهم النزلاء، لذلك عمدت على إطلاق سراحهم حماية لحقهم في الحياة، ولكن ليس كل النزلاء يمكن إطلاق سراحهم، فالقرار شمل أصحاب الحق العام وهو حق الدولة ويمكن أن تعفيه، ولكن نزلاء الحق الخاص لا يتم إطلاق سراحهم إلا بالعفو من أصحاب الحق كجرائم القصاص والأموال.
قرار صائب
مدونون وناشطون، أشادوا بقرار إطلاق سراح النزلاء ووصفوه بالقرار الصائب في ظل الظروف الصحية التي تشهدها البلاد جراء انتشار وباء (كورونا) في العالم والذي يستهدف التجمعات والأماكن المزدحمة، حيث تشكل بيئة خصبة لانتشار المرض، من بينها السجون.
مبادرة مجتمعية
وقالت الصحفية رجاء نمر، إن مبادرة إطلاق سراح النزلاء أطلقتها صحيفة “التيار” منذ العام 2015م نظراً لأوضاع السجون السيئة وكذلك العدد الكبير من النزلاء، وأضافت أن التماطل والتباطؤ من الدولة ساهم في تأخير إطلاق الدفعة الثانية من النزلاء لأن الحراسات مكتظة بالمنتظرين، والسجون يقبع بها منتظرون كثر، بعضهم قضى خمس سنوات ولم تتم محاكمتهم، وتمت مناشدة القضاء ولكن هنالك تلكؤ، والآن النائب العام ينظر في ملفات السجون لإطلاق المزيد من النزلاء.. وبدأت عملية الإفراج بسجن الهدى غرب أم درمان لأنه الأكبر من حيث عدد النزلاء، ولكن في الولايات مازالت السجون مكتظة وهناك أمراض غير (كورونا) يعاني منها النزلاء تصيبهم في شكل وبائيات، سيما الأمراض الجلدية، وأشارت رجاء نمر إلى أن هناك أصحاب الحق الخاص والذين يفترض أن يُطلق سراحهم بالضمانة كما فعلت جميع سجون العالم.
إطلاح سراح
ومنذ صدور قرار الإفراج عن النزلاء قبل شهرٍ، أطلق سجن الهدى سراح ٤٢١٧ نزيلاً، وسجن النساء ٦٥ نزيلة، وقبل أسبوع أطلق سجن كوبر ألف نزيل من جملة 40 ألف نزيل في السجون السودانية، وهي تعتبر نسبة ضعيفة مقارنة بعدد النزلاء الكبير.
تنفيذ خاطئ
ويقول أسعد الطيب العباسي المحامي، إن سلطة مجلس السيادة بموجب أحكام الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية تعطيه الحق في إسقاط العقوبة والإدانة لكونها سلطة مطلقة يتصرف مجلس السيادة فيها كما يشاء، وتمارس بموجب ذلك أحكام قانون الإجراءات الجنائية التي كان يتمتع بها رئيس الجمهورية ما عدا الحق الخاص وحق الله سبحانه وتعالى أو الجرائم الحدية. وجاء قرار إطلاق سراح النزلاء عطفاً على جائحة (كورونا) وبسبب اكتظاظ السجون السودانية، وأشار العباسي إلى وجود أخطاء صاحبت التنفيذ وأدت الى (جلبة)، من ضمنها أن القرار طبق أولاً على سجن الهدى وكان المفروض ان يطبق في كل سجون السودان في وقت واحد، وتابع: (والدليل على حديثي أن هناك أحد النزلاء في سجن الهدى تم إطلاق سراحه وهو مشترك في جريمة مع آخر في سجن بورتسودان لم يُطلق سراحه، وكذلك أن إطلاق السراح تم بدون دراسة وكان الأوجب إطلاق سراح الذين قضوا نصف المدة، والغريب أن من أُطلق سراحهم هم مرتكبو جرائم الاغتصاب والمخدرات)، وأشار العباسي إلى أن القرار كان يمكن أن يشير إلى إطلاق سراح النزلاء المدانين بجرائم غير القصاص والحدود حال تبيّن إكمالهم العقوبة، لجهة أن السجن إصلاح وتهذيب، وأضاف ولكن فيما بعد استدرك القائمون على الأمر أنهم ارتكبوا خطأ وأمروا بعدم إطلاق سراح المدانين بجرائم الإتجار بالبشر والسلاح والاغتصاب، وتابع (وعلى أي حال اعتقد انه كان من الممكن التخلص من الاكتظاظ في السجون بإطلاق سراح ما يعرفون بمحابيس الحقوق المدنية “يبقى لحين السداد”، على أن تتكفل الزكاة بدفع المبالغ المالية التي سجنوا من أجلها، فلا يمكن أن يطلق سراح المغتصبين وتجار السلاح والمخدرات ويبقى على محابيس الحقوق المدنية الذين لا يشكلون أي خطر على المجتمع).
رموز النظام البائد باقون
لم يشمل قرار إطلاق سراح النزلاء، رموز النظام البائد القابعين بسجن كوبر بحسب النائب العام لجمهورية السودان، لأنّ التهم الموجهة إليهم لا تجوز فيها الضمانة، ولا بد أن تتم فيها محاكمات، ويواجه رموز النظام السابق تهماً كثيرة، أبرزها تقويض النظام الدستوري وجرائم الحرب والإبادة الجماعية.