ويبقى الود
أمير عبد الماجد
كله أسود.. سوق أبيض مافي..
في الوقت الذي نتّجه فيه للرقم ألف في عدد المصابين بفيروس كورونا، تجد الحكومة نفسها بين أمرين وخيارين كلاهما صعب، إما إغلاق أكثر يقلل ساعات السماح بالتجوال وبالتالي يفاقم أوضاع الناس التي تفاقمت أصلاً، او فك للحجر والحظر والسماح للناس بمزاولة أعمالهم وبالتالي سترتفع أعداد المصابين! وقد نسجل أرقاماً قياسية في القارة خلال فترة وجيزة بالنظر إلى أننا سجّلنا هذه الأرقام والبلد في حالة حظر تجوال وحجر منزلي.. صحيح انه جزئي ويسمح بالحركة لساعات محدودة، لكن تخيّل لو كانت الأمور مفتوحة والحركة في الأسواق والتجمعات مسموحاً بها… كم كنا سنسجل ونقبر ونودع…
الحكومة أمام خيار صعب هذه الاسبوع، لأن تجربة الإغلاق الجزئي التي عشناها قدمت مؤشرات كثيرة، أولها أن تعامل السودانيين مع الحظر كان على أساس قانوني في مجمله… ثمة إجراءات حكومية مفروضة على الناس عليهم التقيد بها أو المناورة لتجاوزها دون وعي بماهية الإجراءات وأسبابها وكونها جزءاً من الحزمة الوقائية لمواجهة جائحة لا نملك إزاءها إلا الوقاية والإجراءات الاحترازية… تحايل البعض عليها بالتصاريح المضروبة في جوهرها وليس في إجراءاتها… لأن أغلبها في الواقع تصاريح مرور صحيحة، لكن المشكلة أن حاملها لا ينتمي للمؤسسة ولا يعمل بها، هو فقط يعرف أو تربطه صلات بزيد أو عبيد في المؤسسة المسموح لموظفيها بالحركة، وزيد أو عبيد هذا استخرج له تصريح مرور لأنه يرغب في الحركة بين المدن ولا يأبه لصحته أو صحة أسرته… ولا يمكن هنا نفي أن بعض تصاريح المرور مضروبة بالإضافة لمن يتحركون بلا تصاريح ولا يعترفون أصلاً بالإجراء ولا يأبهون له… وهناك من حوّل الحجر والحظر الى وسيلة يتاجر عبرها بدم الناس… السلع تقفز كل يوم في دكاكين البقالة والسوبر ماركت بجنون… وأغلب أصحاب المحال التجارية للأسف حوّلوا تجارتهم الى ابتزاز للناس، فالسلع لا تزيد كل اسبوع مثلاً ولا كل يوم… السلعة يتغيّر سعرها بتغيُّر البائع… لو وجدت اسماعين سيبيعك إياها بسعر ولو وجدت اخاه في المحل سيبيعك إياها بزيادة عشرين جنيهاً… وعندك شيل ما عندك موت من الجوع… ووقود تتراص السيارات لأجله بالمئات معروض على الطريق سوق اسود… يخرج أمامك ويباع أمامك سوق أسود على بُعد أمتار من طلمبة البنزين… للأسف حتى الحجر والحظر تحوّل إلى سوق لتجار الأزمات هذا غير مشاكل أخرى موجودة ولا يمكن أن نتغافل عنها… الصرافات بلا نقود في ظل هذه الأوضاع التي يعيشها الناس… الدواء مافي… حتى البنادول اختفى تماماً من الصيدليات… هل تصدق أن البنادول يباع الآن سوق أسود وأن الحصول على أنبوبة غاز بات أسهل من الحصول على علبة بنادول…
تجربة الإغلاق الجزئي لم تُخضع لتقييم موضوعي حتى الآن، لأنها للأسف أفرزت واقعاً صعباً جداً… تجار الأزمات فتكوا بالشعب وامتهنوه… ندرة السلع زادت الأوضاع سوءاً وفاقمتها بالإضافة طبعا إلى أن الناس في بيوتهم الآن في هذا الشهر الفضيل ووسط سعار التجار، بلا مال والأسباب معروفة…
على الجانب الآخر، هناك خيار رفع الحظر وفك الحجر وهو خيار أمامه مشاكل لا تقل عن مشاكل الحجر، بل ربما كانت أكبر… لأن الأعداد ستتضاعف وتزيد بصورة كبيرة في ظل ما نعايشه حالياً… نظام صحي منهار… نظام اقتصادي منهار… شعب مستهتر بالجائحة ويتعامل على أنها لن تطاله ويردد أوهاما من نوع أن الفيروس لا يعيش في الأجواء الساخنة ومقتنع بهذه الترهات… شعب لن يتقيد في معظمه بالتباعد المجتمعي، ناهيك عن ارتداء الكمامات التي نعذر الناس بشأنها بعد ان وصل سعرها في السوق الأسود إلى أربعمائة جنيه .. وكله عندنا طبعاً سوق اسود للأسف سوق أبيض مافي… أما المعقمات فالعبوة الصغيرة سعرها ما بين (200 – 250) جنيهاً لو وجدتها متوفرة… من الصعب إلزام الناس بارتداء الكمامات وتوفير المعقمات وهم غير قادرين على توفير لقمة عيشهم، ويعانون شظف الحياة، لكن على الأقل التباعد المجتمعي يخدم القضية وهذا لن يكون متاحاً في حال سمحت الدولة للناس بالتجوال والعودة لأعمالهم، وهي تعلم أن الأعداد ستزيد والجثث ستتراكم ونظامها الصحي لن يصمد ساعة واحدة…
الدولة هذا الأسبوع أمام خيارين… قد تقفل أكتر لتقلل خسائر الفيروس لكنها ستواجه مشاكل اقتصادية كبيرة في الاقتصاد الكلي والمجتمعي، أو تفتح البلد وتسمح للناس بالعودة لأعمالهم وعندها ستلتقي الفيروس وجهاً لوجه في معركة خسائرها فادحة…
عموماً… تخيل وفي وقت، الدولة والمجتمع مشغولان بالحرب ضد كورونا، هناك معارك شغالة في دارفور… معارك بسبب مشاكل قبلية… حرب ودواس وتشتيت للموارد البشرية والمالية… وتهريب للوقود والدقيق والسكر… ناس شغّالة تضرب في الدولة جوه وبره…
و…
الله في…