سودان فيرست- ميعاد مبارك
الإعصار الذي هَبّ في النادي الدبلوماسي مطلع هذا الأسبوع، هزّ أريكة الحديقة الخارجية للبلاد بعنف، وأثار حالة من الجدل المتواصل لكونه اجترح هيكلة قاسية، استغنت بالمرة عن كوادر مُميّزة، كما يرى البعض، أو على الأقل تباينت الآراء حولها، دون حاجة لاستدعاء حميد في جوابات ست الدار “١٠٩ عامل يبقوا هوامل” لأنّ القرار استند إلى منطق إزالة التمكين، ما يستدعي طرح ذلك السؤال المُثير الذي وضعه العقيد وقتها محمود قلندر في أحد مقالاته الشهيرة بصحيفة (القوات المسلحة)، هل هؤلاء الرجال جبهة؟ وذلك بعيد أن تطلّع في وجوه قادة انقلاب الإنقاذ وقتها، ولعل السؤال يُنازع اليوم، لكن بصيغة أخرى قدّرتها لجنة إزالة التمكين هذه المرة، فهل هؤلاء السفراء جبهة؟!
اشتباه أسري
تلقّى العاملون في وزارة الخارجية نبأ إعفاء الدبلوماسي محمد البله ضمن ١٠٩ سفيراء ودبلوماسيين باستغرابٍ كبيرٍ، لجهة مهنيته وكفاءته الأكاديمية، فهو حاصلٌ على الدكتوراة في التخطيط الاستراتيجي، وعمل أستاذاً مُتعاوناً في جامعة الزعيم الأزهري، وخدم في قنصلية جدة وسفارتي بانكوك ودار السلام، واعتبر البعض إقالته لمُجرّد زواجه من سيدة ذات توجُّه إسلامي تناقُضاً مع شعارات الثورة، التّوّاقة للعدالة.. فيما كانت لجنة إزالة التمكين لفتت إلى أنّ رؤيتها للتمكين تشمل التمكين السياسي والاجتماعي،
ولعل السفيرة أميرة قرناص التي خدمت في عددٍ من السفارات أشهرها إيطاليا، وعُرف عنها تميُّزها الأكاديمي وقُدراتها العالية كدبلوماسية، أحد أولئك الدبلوماسيين الذين طالتهم يد لجنة التمكين بسبب زواجها من وزير الخارجية الأسبق علي كرتي، إن لم يكن ثمة سبب آخر. وتَمّ انتخاب قرناص كأول رئيسة أفريقية عربية ومسلمة للجنة الأمن الغذائي العالمي في الفترة ما بين 2015 – 2017م.
عمر حامد بأيِّ جريرة؟
الدبلوماسي عمر حامد الذي تم إعفاؤه بقرار لجنة التمكين، قال في بيان له تلقّت (سودان فيرست) نسخةً منه، إنه لم ينتمِ يوماً إلى حزب سياسي، وإنه دخل إلى وزارة الخارجية عبر مُعاينات الوزارة التي أُعلنت عنها في الصحف عام 2003، وجاء ضمن 43 من زملائه تخطّوا المُعاينات بعد منافسة مع 6 آلاف مُتقدِّم، مُطالباً لجنة إزالة التمكين بإبراز دليل واحد يثبت أنه انتمى في يومٍ من الأيام لأيِّ حزبٍ أو جماعة سياسية أياً كانت، أو بما يقدح في مهنيته كدبلوماسي محترفٍ.
من جهة أخرى، أشار أحد السفراء الذين استطلعتهم (سودان فيرست)، فضّل حجب اسمه، إلى أنّ الإعفاءات تمّت بادّعاء أن البعض تم استيعابهم عبر التمكين، قائلاً “في وقت دخلت أنا وأغلب السفراء الذين تم إعفاؤهم عبر بوابة لجنة الاختيار ونلنا تدريباً مُتقدِّماً، وتشهد ملفاتنا بالعطاء للوطن”، مُشيراً إلى أنّهم منذ أداء القَسَم لم ينخرطوا في أيِّ عملٍ سياسي، وانصرفت طاقاتهم في خدمة بلادهم، دون تحيُّز لحزبٍ أو فئةٍ، مُؤكِّداً أنّ ما حدث هو خسارة للسودان الذي فَقَدَ كوادر مُدرّبة ومُؤهّلة لها جهودها المقدرة، لا شك، وشدد السفير المعفي على أنه ليس لديه أيِّ انتماء حزبي، ولم يكن له يوماً قريب مسؤول أو نافذ في الدولة، وأنه حاصل على درجتي ماجستير في الإعلام والإدارة وسيناقش درجة الدكتوراة في السياسة العليا بعد ثلاثة أشهر بكلية الدراسات العليا بجامعة الخرطوم، فَضْلاً عن نيله عدة دورات تدريبية في العلاقات الدولية بالمملكة المتحدة،
وقال إنه ابتدر عمله بعد اجتياز المُعاينات من بداية السلم الوظيفي في الدرجة التاسعة كسكرتير ثالث بوزارة الخارجية، وأن تقييمه السنوي لم يقل يوم عن 98%، مُشيراً إلى أنّ لجنة إزالة التمكين أعفت خمسة من أصل ثلاثين دبلوماسياً من دفعته في وزارة الخارجية، ولفت إلى أن الخارجية كان بها دبلوماسيون من خلفياتٍ سِياسيّةٍ مُختلفةٍ، ولكنهم كانوا يُمارسون عملهم بمهنية ويُنفِّذون سياسة الدولة، وأن الخطوة الصحيحة في حال ثبت أنهم يعملون عكس سياسة الدولة يجب إحالتهم للجنة تحقيق حسب لوائح الوزارة.
لم يَخفِ وزير الدولة الأسبق بوزارة الخارجية السفير نجيب الخير عبد الوهاب، سعادته بالقرار، وقال لـ(سودان فيرست)، إن قرار لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو وإزالة التمكين بإعفاء 109 من منسوبي وزارة الخارجية كان قراراً صائباً، مُشدِّداً على أن كل الإعفاءات مُستحقة ومشروعة، وأضاف نجيب: “هؤلاء السفراء لم يدخلوا إلى وزارة الخارجية عبر مُعاينات شفّافة وعادلة”، مُؤكِّداً أنّ من دخل منهم إلى المُعاينات تمت مُحاباته وقبولهم لدواعي انتمائهم للنظام السابق، فَضْلاً عن الذين تم تعيينهم سياسياً بقرار من رئاسة الجمهورية، وهو هُنا يشير إلى محمد عطا ومصطفى عثمان إسماعيل، وغيرهما من رموز النظام السابق!
شهادة غندور
وكان رئيس حزب المؤتمر الوطني المحلول، وزير الخارجية الأسبق بروفيسور إبراهيم غندور كتب تدوينة على حسابه بـ”فيسبوك”، شهد فيها لصالح مهنية السفراء المعفيين، وقال غندور: “أشهد من خلال فترة عملي وزيراً للخارجية التي عرفت فيها الدبلوماسيين السودانيين عن قُرب، أنهم كانوا من أميز الكوادر من حيث الدرجات العلمية، وأنهم عملوا في أصعب الظروف، مُدافعين عن بلادهم وشعبهم، وتراكمت لديهم الخبرات والتجارب وتمرّسوا في دروب العمل الدبلوماسي وصاروا خُبراء”، مشدداً على أنهم لم يمارسوا العمل الحزبي يوماً وهم في السلك الدبلوماسي، ولا انتموا لهياكل حزب منذ انضمامهم للخارجية، وأضاف غندور: “بعضهم لم يكن له انتماء سياسي أصلاً”، وتسائل كذلك: أيُّهم أكثر كفاءةً، الذين فصلتهم قِوى الحُرية والتّغيير أم الذين تنوي تعيينهم وتجرى الصراعات فيما بينها حول القوائم؟ أو حتى من تمّ إرجاعهم من منسوبيها رغم سنوات خدمتهم المحدودة في وزارة الخارجية لعام أو عامين قبل الإنقاذ في درجة سفير دون أن يقضوا ثلاثة عُقُودٍ في أيِّ عمل يكسبهم الخبرة الدبلوماسية، وفقاً لغندور.
وُعُود اللجنة
تقابل اتّهامات غندور لقِوى الحُرية والتّغيير حول شروعهم في تعيين كوادرهم بوزارة الخارجية، وُعُود اللجنة بعدم تكرار سيناريو التمكين مَرّةً أخرى، وأن الحكومة الانتقالية لن تسمح بتمكينٍ جديدٍ، وأشارت اللجنة على لسان محمد الفكي إلى أنه من المُتوقّع أن يتم تعيين ما بين 150 – 200 شخص في وزارة الخارجية عبر تنافُسٍ حُرٍ ونزيهٍ. فيما كانت لجنة إزالة التمكين قد أعلنت عن إعفاء 14 سفيراً تم تعيينهم من قِبل الرئيس المعزول عمر البشير و35 سفيراً بالتمكين السياسي والاجتماعي، إضافة إلى 12 وزيراً مُفوّضاً و34 دبلوماسياً و19 إدارياً من وزارة الخارجية السودانية.
أشهر السفراء
من أشهر السفراء الذين تم إنهاء خدماتهم، وكيل وزارة الإعلام الأسبق السفير ياسر خضر، الذي عمل سفيراً بقطر، وكان يتأهّب لقيادة البعثة الدبلوماسية في مصر، والسفير كمال إسماعيل سعيد، وكيل الخارجية وسفير السودان الأسبق في كينيا، والسفير الهادي صديق علي نميري، والشاعر والدبلوماسي المعروف خالد فتح الرحمن، إلى جانب السفير أحمد محجوب وماجد يوسف وصالح نور الدائم الكرنكي، والسفير الكاتب خالد موسى دفع الله، ويوسف الكردفاني المُتحدِّث الأسبق باسم الخارجية، تَمّ إعفاؤهم بذريعة تعيينهم لأغراض التمكين السياسي والاجتماعى، ولعل السفير والشاعر خالد فتح الرحمن سفير السودان بالمغرب لم يثبت عليه جنحة انتماء سياسي، وبمُجرّد أن تم استدعاؤه من المغرب تقدم باستقالته مُستبقاً قرار اللجنة، وذلك بعد أن كسبته منظمة (الآيسيسكو) للتربية والعلوم والثقافة، ليتولى منصب مدير إدارة الحوار والتنوُّع الثقافي بالمنظمة.
بالعودة لرأي السُّلطة، والتي يبدو أنّها عازمة في انتزاع كل من تشبه فيه بالانتماء أو التعاطُف أو التعاوُن مع النظام السابق، يمضي القيادي في قِوى الحُرية والتّغيير جعفر حسن للدفاع عن قرارهم، لكنه قبل ذلك هاجم حديث بروفيسور إبراهيم غندور، مُنبِّهاً إلى أنّ ما جرى ثورة يجب أن تقتلع دولة المؤتمر الوطني التي أجرمت في حق الشعب السوداني – على حد وصفه، وأضاف حسن: (تأخّرنا كثيراً، كان يجب إعفاء هؤلاء الدبلوماسيين ومعهم آخرين منذ وقتٍ طويلٍ، مُتّهماً إيّاهم بالفشل والتسبب في فرض عزلة على السودان، هم خائفون من كشف فسادهم في خط هيثرو، والبيوت السودانية في الخارج والصفقات الفاسدة)، وشدّد على أن قِوى الحُرية والتّغيير لا تسعى لتمكين كوادرها عبر وزارة الخارجية أو غيرها من مُؤسّسات الدولة، وإنّما سيتم فتح الفُرص للشعب السوداني.