حوار- صباح المصباح
المهندس أحمد عثمان آدم.. شاب نحيل من أهالي شرق النيل، يستيقظون على صوته كل صباح بعد مجزرة التاسع والعشرين من رمضان، كان يذكرهم بحق الشهداء، مردداً (حق الشهيد ما راح.. لابسنو نحنا وشاح)، وبعضاً من أشعار حمّيد، وحتى أطفال الرياض كانوا يرددون معه هذه الأبيات.. المارة أيضاً يوقفون عرباتهم ويتفاعلون معه، لم يفوِّت موكباً إلا وكان في مقدمته، وبمناسبة مرور عام على ذكرى فض الاعتصام.. (سودان فيرست) أجرت معه حواراً مطولاً باعتباره كان شاهداً على كل وقائع مجزرة القيادة ونجا من الموت بأعجوبة.. فإلى مضابط حديثه معنا:
* عامٌ مضى على مجزرة فض الاعتصام؟
– مرت سنة.. (لا جبنا) حقهم (لا متنا) زيّهم، عدّت سنة ونحن لم نقتص لقتلتهم، ولم نحقق لهم ما كانوا يحلمون به في رؤية سودان يسع الجميع.. سودان يسود فيه حكم العدالة ولا كبير على القانون، ومهما تحدثت لن أستطيع وصف هذا اليوم المأساوي الذي كان بمثابة صدمة لنا جميعاً.. فض الاعتصام كان طعنة في ظهر الثوار والثورة.
* أحكِ لنا عن تفاصيل هذا اليوم، كيف كانت بدايته؟
– منذ بداية رمضان كنت أفطر يومياً بالقيادة العامة بخيمة الفنان مصطفى سيد أحمد، وسأقول لك سراً منذ يوم الثامن من رمضان ونحن كنا متوقعين فض الاعتصام في أي لحظة.. متوقعين الغدر والخيانة لأننا أيضاً فقدنا إخواناً أعزاء في ذلك اليوم، وبالفعل صدقت توقعاتنا وما أشبه الليلة بالبارحة.. نفس التفاصيل، المهم عُدت عند الواحدة صباحاً والتقيت بالشهيد محمود كهرباء، وقال لي قالوا الليلة حيفضوا الاعتصام، أعملوا حسابكم والناس تزيد المتاريس.
* إذن ما هي آخر كلمات الشهيد كهرباء؟
– التقيت بكهرباء وبرعي قبل اسشهادهما بساعاتٍ قليلةٍ، ذهبت لخيمتهم التي تقع بالقرب من كوبري الحديد، كهرباء كان يقول لن يستطيعون فض الاعتصام ونحن فينا روح، وكان يتحدّث عن السودان الجديد ويحلم بمستقبل باهر، عدت منهم حوالي الثالثة صباحاً، وضعت هاتفي في الشاحن، وسمعنا صوت الذخيرة…
* شكل اليوم كان كيف من الصباح، هل رأيتم قوات نظامية تطوق القيادة؟
– كما قلت لكِ قبل قليل، يشابه إلى حد بعيد تفاصيل ليلة الثامن من رمضان، غدروا بنا لأنهم كأنوا يدركون أن عدد الثوار بسيط جداً، بعد ذهاب البعض لقضاء فترة العيد في الولايات، بجانب مغادرة البعض لقضاء الليلة مع أسرته ومن ثم العودة باكراً لأداء صلاة العيد بالقيادة، وأيضاً بعض الأحزاب انسحبت من المشهد باكراً، اليوم من الصباح كان هادئاً، والثوار كانوا مشغولين بتزيين القيادة، والبعض يوزع في الملابس الجديدة على أطفال الشوارع، و(الكندّاكات يعملن في الخبائز)، الأجواء بالقيادة كانت احتفالية وحتى الحديث عن فض الاعتصام لم نلق له بالاً ولم نتخوّف، لأننا كنا نفتكر أن الجيش سيتصدى لهم مثل كل مرة ولكن للأسف خَابَ ظننا، وقبل صلاة الصبح تحديداً سمعنا أصوات الرصاص وساد الهرج والمرج، وخرجنا لنعرف ماذا يدور.. وجدنا عدداً كبيراً من الجرحى والقتلى، المنظر كان صعباً للغاية..!!
* لماذا لم تطلبون الدعم من إخوانكم كما كان يحدث في بداية المواكب؟
– يبدوا أنهم استفادوا من موكب السادس من أبريل و(8) رمضان، لذلك قاموا بإغلاق كل الكباري والطرق التي تؤدي إلى القيادة العامة، ومواكب اللاماب والكلاكلات لم تجد طريقاً فاتحاً الى الوصول لدعم الثوار، وهذا يوضح بأنهم كانوا يخططون والأمر لم يكن وليد صدفة كما قالوا، وبصراحة لو كانت الحشود مثل يوم السادس من أبريل لما مسوا شعرة من الثوار.
*كيف أمّنتم أنفسكم؟
– احتمينا بداخلية النيل الأبيض وكنا قرابة العشرين شخصا، وأغلقنا الباب علينا جيداً، ولكنهم كسروه وضربونا ضرباً مبرحاً بالعصي وأطلقوا الرصاص حتى يخيفونا، وأيضاً سرقوا هواتفنا وأموالنا وحتى ملابسنا لم يتركوها، المهم أخرجونا من الداخلية ووجدنا مجموعة كبيرة منهم تقف صفاً واحداً، هذه المجموعة مهمتها فقط ضرب الثوار، وفي هذه الأثناء تعرّضت للإصابة بيدي من شدة الضرب ورغم ذلك لم يتركونا، ولم ينجدنا منهم إلا ضباط ينتمون للجيش كانوا يمنعون القوات التي تضرب الثوار ويقولون لهم أتركوهم وشأنهم لا تضربوا أحداً.
*ألم يقوموا بإسعاف المصابين؟
– (لو لقوا فيك روح لسة بضربوك تاني عشان تموت).
* وماذا حدث بعد ذلك؟
– هربنا منهم وأصبحنا نسير بالشوارع، ونحن نرى إخواننا ملطّخين بالدماء ومنهم من استشهد.. وصلنا مستشفى إمبريال ولاحقوننا هناك أيضاً وكانوا يستفزوننا ويقولون لنا (ما قلتوا صابنها وما قلتوا رجال، خليتوا ترسكم مالكم يا شيوعية يا كفار)، وكانوا يحملون أسلحتهم، حقيقة هنا فقط نطقنا الشهادة واستسلمنا للموت وانتظرنا قدرنا ولم نكن نتوقع ولو بنسبة (1%) أن نخرج منها، ووسط هذا الحزن خرجت من إمبريال بعد أن تم تضميد جراحي وقصدت العربي، وقبالة فضيل أوقفني دكتور وقال لي لو مشيت بقتلوك لا سيما وأنك مصاب، وبقيت في المستشفى إلى أن جاء شخص يسكن شرق النيل، وبعد خروجنا وجدنا كل الكباري مغلقة واضطررنا للذهاب بكوبري سوبا، ووجدت أفراد أسرتي في حالة يُرثى لها وكانوا قلقين جدا عليّ.
* كيف تجاوزتم صدمة فض الاعتصام؟
– فض الاعتصام له أثر نفسي كبير في نفوس الثوار، ولم نستطع تجاوزه إلا بعد فترة طويلة، وفي الفترة الأولى لم أكن أنوم على الإطلاق، كل تفكيري كان في الشهداء وذكرياتي معهم.
*موكب 30 يونيو الذي أدهش العالم، كيف تم التخطيط له؟
– لو لم يخرج الشعب السوداني بهذه الكثافة لما حلمنا بحكومة مدنية، ولولا إغلاقهم للطرق كان وصلنا القيادة مرة أخرى وأيضاً قدمنا عدداً من الشهداء في هذا الموكب.
* كثر الحديث عن ماهية هذه القوات، ولكن باعتبارك شاهداً، إلى أي تنتمي هذه القوات؟
– نحن نحفظ أشكالهم، وإذا لاقيناهم في أي مكان سنتعرّف عليهم.
* ما هو رأيك في الحملة الشرسة ضد لجان المقاومة؟
– هنالك أشياء مُدبّرة، وهؤلاء يقصدون إضعاف لجان المقاومة، لأنهم يعرفون حجم الخدمات التي تقوم بها هذه اللجان، لذلك أطلقوا شائعات تخوينهم وعندما لم يصدق الشعب هذه الفرية قالوا عليهم انهم مجرمون، وعلى الجميع التكاتف والتعاضد، وزي ما بدينا الثورة دي بسلميتنا، سنواصل فيها ولن نخاف من أي شئ لأن هدفنا وَاحِدٌ.