سودان فيرست ــــ الطيب إبراهيم
لم تزح ثورة ديسمبر بالسودان، الرجل الذي جثم على صدر البلاد لـ(30) عاماً، وحوّلها برفقة معاونيه إلى مرتع خصب للفساد فحسب، ولكنها أزاحت كذلك جميع الأنماط المعروفة في الثورات الشعبية، وابتكر شباب دون الخامسة والعشرين، أساليبَ جديدة
للتعبير عن الاحتجاج، ولم يكن مُستغرباً أن تستمد الاحتجاجات التي انطلقت في البرازيل في يناير 2019 ضد إصلاحات فرضها الرئيس بولسونارو، أغلب مظاهر صور الاحتجاج من الثورة السودانية التي كانت قد دخلت شهرها الثاني في السودان في ذلك الوقت. حفلت يوما الجمعة والسبت، بمواقع عربية وسودانية، بمقارنات عديدة لسلوك المحتجين الأمريكيين الذي يشبه لحد مدهش بسلوك ثوار ديسمبر بالسودان. وشهدت مدينة مينيا بوليس
الأمريكية، احتجاجات غاضبة بسبب مقتل رجل أسود على يد شرطي أبيض بطريقة مهينة، الأمر الذي أشعل الغضب ولا يزال في المدينة وامتدّ لمدن أخرى. وبنظرة سريعة للأحداث هناك، تلاحظ كمية التشابُه المُذهل بين سلوك المُحتجين في الولايات المتحدة والسودان، فجميع أشكال التعبير تم استلافها بالكامل من تظاهرات ديسمبر بالكامل.
وتسرد (سودان فيرست) في هذا التقرير بعض هذه التعابير المُتشابهة:
(لستك مان)
طريقة حرق إطارات السيارة في الشوارع كنوع من الاحتجاج، كانت واحدة من صور التعبير في ثورة ديسمبر، حيث لم يكن العالم يعرف هذه الطريقة، وسجّلت الكاميرات مَشَاهِد عديدة لمتظاهري مينا بوليس الأمريكية، وهم يقومون بحرق إطارات السيارات على طريقة الثورة السودانية.
(جردل مان)
وهى طريقة إرجاع عبوة الغاز المسيل للدموع، أو إبطال مفعوله عن طريق تغطيته بجردل، وهى ابتكار خاص بثورة ديسمبر، حيث اشتهرت الكنداكة روعة بإرجاع البمبان لقوات الشرطة، وهو عين ما فعله محتجو مينيا بوليس الأمريكية، حيث رصدت الكاميرات لشباب سود يقومون بإرجاع البمبان لقوات الشرطة الأمريكية.
(الصّبّة)
النمط الآخر، الذي بالكاد يكون سودانياً خالصاً وأحدث إبداعات ثورة ديسمبر، تمثله الكلمة الدارجية (الصّبّة)، وهى تعني البقاء في المكان لغاية تحقيق الأهداف، وبمثلما رصدت كاميرات الإعلام هنا شاب سوداني يحمل (مرتبته) للنوم في أول أيام الاعتصام بالقيادة، حملت الكاميرات نفسها صورة لشاب أمريكي يحمل (مرتبة) صغيرة دلالة على عدم رجوعهم للمنزل حتى تحقيق المطالب.
(جمهورية أعلى النفق)
كدولة الفاتيكان تماماً، صنع ثوار ديسمبر، مكاناً خاصاً بهم في أعلى نفق بُرِّي، وأطلقوا عليه اسم جمهورية أعلى النفق، وسكان هذه الجمهورية نادراً ما ينزلون الا للأشياء المهمة، وظلوا في جمهوريتهم بالأعلى طيلة فترة الاعتصام، في مينيا بولس الأمريكية اعتلى محتجون مبنىً إدارياً وظلوا يهتفون من الأعلى لليوم الثالث على التوالي. كثيرة هي التعابير وأنماط الاحتجاج التي استمداها المحتج الأمريكي من ثورة ديسمبر السودانية، وبخلاف هذه الأنماط الأربعة، بلا شك توجد العديد من التفاصيل الصغيرة التي تتشابه تماماً مع تفاصيل ثورة ديسمبر وإن لم ترصدها الكاميرات. ليس مبالغة، حال تم توصيف ثورة ديسمبر السودانية، كواحدة من أقوى وأعظم الثورات الشعبية في القرن الحادي والعشرين، وأن البشرية لم تشهد ثورة شعبية بهذا الزخم منذ الثورة الفرنسية قبل ثلاثة قرون.