الخرطوم ـــ سودان فيرست
انتقادات واسعة يطلقها ناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي ونُقاد في الخرطوم حول أداء الفضائيات السودانية بعد الثورة، حيث يرى البعض أنها لم تكن قدر الطموح ومازال جزء كبير منها يدور في نفس الفلك القديم على مستوى المادة المقدمة والشكل الإخراجي ونوعية الضيوف، ويصف هؤلاء أن هناك إشكالات حقيقية في عدم وجود استراتيجية واضحة للإعلام تتّسق مع عملية التحوُّل الذي تشهده البلاد. وقال عباس الزين ـ ناشط إسفيري ـ لـ(سودان فيرست)، إن المشاهد أو المطلع على عجل للفضائيات السودانية، سيكتشف مباشرة أن هنالك تشابهاً تاماً مع غياب وجود فوارق تذكر على كل المُستويات التقنية والموضوعية، وإذا كان هناك ثمة اختلاف فهو اختلاف معياري ومقداري (سطحي) على شاكلة ازدياد صفرة المذيعات، التماهي في الإعداد الركيك، بهتان الشاشة، أما دون ذلك فتطابق أفكار وأسماء برامج، بل وحتى طرق تقديم الضيوف وآرائهم وحكاياتهم. ويرى “الزين” أنّ المناظر المكرورة لا تحوي دهشةً للجذب والمُتابعة، إنّما تضيف لك المزيد من الحيرة وتولد لديك العديد من التساؤلات حول تأثير الثورة على تلك الأجهزة الإعلامية وما هي الأسباب الحقيقية لرداءة العمل التلفزيوني ولهاث الجميع وتسابقهم في التقليد وغياب الابتكارات والإبداعات البرامجية.
ويعتقد مُتابعون أنّ التغيير الذي حدث في البلاد لم ينعكس على تلك الفضائيات، بل إن تناول قضايا الثورة وذكرياتها يعاني من ضعف وأحياناً يميل للتشويه أكثر من التوثيق والنقاش، وينبه بعضهم أن هناك قنوات لم تستوعب فتح مساحات الحرية جيداً وأصبحت تفتح برامجها لأنصاف المواهب وغث القول.
وفي هذا السياق، دوّنت الفنانة نانسي عجاج على موقع “فيسبوك” قائلةً: “كثير من الناس نبهوا فيما قبل على ضرورة الاهتمام بالمحتوى المقدم عبر الأجهزة الإعلامية بما يتماشى مع عظمة الثورة والتضحيات التي تقدمت من خلالها، لكن المراقب لمعظم القنوات مؤخراً يُلاحظ تغييراً على مستوى البرامج والوجوه، لكن هناك انحدار ملحوظ في مُستوى المضمون”. وأضافت (كأنها محاولة مقصودة ومدروسة لتسطيح مفهوم الحريات في عقول الكثير من البسطاء الذين تعتبر هذه الأجهزة الإعلامية أحد روافد الوعي المهمة لديهم، والواضح تماماً أنّ الغرض هو خلق تيار رافض للتحوُّل والتغيير المُصاحب للثورة، ومُحاولة بائسة لشيطنة الثورة والثوار وخلق رأي عام سالب في قيمتها والاستهتار به). وأردفت: (الأخطر من كل ذلك هو عزلها عن جماهيرها الحقيقيين والمستفيدين منها فعلاً).
ويقول الناقد والصحفي هيثم الطيب، آن الثورة بكل قوتها تحتاج لقنوات إعلامية لها قناعة بالتغيير وأهدافه، ويشير في حديثه لـ(سودان فيرست) أن القنوات ترى عدم وجود ثورة، لذلك دائرة فعلها مستندة على الرفض بشكل أو بآخر وتعميق مفاهيم الثورة ليست من أولوياتها، فضلاً على بعضها تمارس نوعاً من المُحاصرة للثورة نفسها، فهي كما يقول لا تفتح برامج لنقاش الثورة وأحلام الشعب فيها، بل تحيط بالثورة ببرامج لا تفيدها ولا تقرأ مطلوبات المرحلة، ويضيف: (برامجها مثلاً لم تضع فلسفة إدارة تنوعنا الثقافي ليكون محركاً لها، وهنا الفعل المطلوب، فبلادنا إعلامياً تحتاج لذلك وممارسته يقود لصناعة ثورة حقيقية تصنع من ثراء التنوع أفكار تقدمنا للعالم، وهي لا تفعل ذلك، إذا هي خارج مطلوبات الفعل الثوري الإعلامي، ونقصد به رؤية قراءة للوطن، وليس كما يظن البعض أن الثورية المطلوبة تحريك الهتاف والعمل على أدواته، بل فلسفة ثورية كاملة ترسم كيف نستطيع تقديم الثورة كفعل تغييري مجتمعي للعالم). ويزيد: إن القنوات السودانية تعمل خارج دائرة الفعل المطلوب لأنها بلا رؤية واضحة للثورة وأدواتها، وبلا آليات عمل لصالح قضايا المواطن وعقلها الذي يحركها عقل لا يستطيع فهم رؤية هذه الثورة، ولذلك هي ضعيفة في الانتماء لها، وبعيدة عن الارتباط بها.
ويرى البعض كذلك أن المشكلة في القنوات ليست مشكلة أشخاص “مديرين أو عاملين” بقدر ما هي مشكلة استراتيجية عامة للإعلام في البلاد، أيضاً عدم وجود نظام “وسيستم” يحكم داخل الفضائيات نفسها، ويؤكد هؤلاء بأنه لا بد أن يكون هنالك مجلس إدارة فاعل ومركز تقييم، لأن نظرية المدير الأوحد قد أثبت فشلها في كل المجالات.