إيهاب محمد علي
ربما لم تجد الأوبئة حظها من النقاش المستفيض في الأدب العالمي والعربي، لكن الأدب الأوروبي تعمق في تشريحها مرة جنوحاً للفلسفة وأخرى في دراسة الأسباب، فمسرحية “أوديب ملكاً” صُنفت كمثال رائع لأخلاق الأوبئة بتصويرها وقوع الطاعون على مدينة “ثيبة” اليونانية نتيجة الفشل الأخلاقي لملكها، ولمحت إلى أن الطاعون الذي ضرب أثينا كان أيضاً لبعض الهفوات الأخلاقية. وبالنظر إلى رؤية أن الأوبئة هي نتيجة للتجاوزات الأخلاقية فليس من المُستغرب أن يُقرأ (كوفيد – 19) بنفس المنهج.
تشخيص أزمة (كوفيد – 19) تفرق ما بين نظرية المؤامرة والتطور الطبيعي للفيروسات والخطأ العلمي والقضاء والقدر، ولكني سأركز على التشخيص الخامس والذي يفترض تغيير نظرة البشر للطبيعة وتفضيلهم للتكنولوجيا، ورؤية أنصار هذه الفرضية للخروج من هذا المأزق هو العودة للطبيعة تكفيراً عن هذه الخطيئة. ولكن إذا تحدثنا عن الأزمة المناخية الحالية وثقب الأوزون مثلاً، لا يبدو أن دعوة العودة للطبيعة ضرورية لفهم الأسباب الكامنة وراءها أو حتى المطالبات الأخلاقية تجاه الأمر، فكلنا يعلم أنّ كثيراً من الأنشطة البشرية هي السبب في زعزعة مناخ الأرض، بل ومُعظمنا يفهم أنّ علينا واجباً أخلاقياً للحد من هذا، وأنه لا داعي لتضخيم جاذبية الطبيعة على حساب تجاوز الحقيقة العلمية.
الوباء الحالي إن اعتبرناه عقاباً لخطايا البشرية لا يختلف عن التلوث البيئي وإزالة الغابات، فقد كانت الأوبئة جُزءاً من التاريخ البشري حتى قبل وجود الهياكل الاجتماعية والاقتصادية الحالية، ولكن إذا اخترنا أن نفهم تفشي الفيروس التاجي على أنه الثمن الذي يتعيّن علينا دفعه مقابل هذه الإخفاقات الأخلاقية، فسوف نفقد الدرس الحقيقي الذي يُمكن أن نتعلّمه. فالتقدم العلمي قام بعمل رائع في تفسير الغموض الذي كان يُحيط بالأوبئة، واختصر 15 عاماً للتعرف على أنّ “الأنفلونزا الإسبانية” التي تفشت في عام 1918م سببها فيروس، واختصرها في أسابيع لمعرفة سلسلة فيروس (كورونا) لنعطي دفعة قوية لتطوير اللقاحات والعلاجات التي نأمل أن تجعل البشرية محصنة ضد هذا المرض تماماً، وبواسطة العلم عرفنا كيف ينتشر الفيروس وما يتعيّن علينا القيام به للتقليل من فرص الإصابة، مع أنه لا يُمكن أن نجعل أنفسنا محصنين تماماً ضد الفيروسات.
ختاماً.. ما يحدث اليوم هو أن أنظمة الرعاية الصحية والاقتصادات على حافة الانهيار بسبب جائحة (كوفيد – 19)، ونجح الفيروس في الكشف عن أن ثقة البشر المفرطة في التكنولوجيا وقدرتها على ترويض الطبيعة في غير محلها، والمؤسف أنه تم تحذيرنا، ليس عن طريق العلماء وحدهم هذه المرة، ولكن من قِبل الأدباء الذين تم التقليل من شأن نبوءاتهم أو تجاهلها، وعليه فإن الطبيعة لا تعاقبنا بسبب تجاوزاتنا الأخلاقية، ولكن في الواقع الطبيعة لا تأبه بنا ويجب أن يكون ذلك مرعباً لنا بنفس القدر.
مخرج
من الصعب تغيير الطبيعة، ولكن يُمكن التلاعب بها ب 6000 دولار، لكن غضبتها حتماً مُخيفة.