سودان فيرست ـــ محمد الأقرع
على خلفية توقيف علي كوشيب، المتهم بارتكاب جرائم حرب في دارفور لدى المحكمة الجنائية الدولية، ورغم ترحيبه للخطوة أطلق حزب الأمة، مبادرة جديدة أسماها (العدالة الترميمية)، والتي قال إنها تختص بالمطلوبين لدى العدالة الذين انحازوا للثورة وساهموا بطرد المخلوع.
وأحدثت تلك المبادرة جدلاً واسعاً في الساحة السياسية، حيث وصفها الكثير من المتابعين بأنها امتداد لمبادرات قوى الهبوط الناعم وتمييع الثورة، بينما أيّدها آخرون وقالوا إنها المخرج الوحيد من ورطة قادمة، وهؤلاء حاولوا ربطها بمفاهيم العدالة الانتقالية.
وقال حزب الأمة في بيانه الصادر السبت الماضي، إنه تقدم بهذا المقترحة ضمن مصفوفة الخلاص الوطني في يوليو من العام الماضي التي تناولت مشروع قانون العدالة الانتقالية الذي وصفه بأنه يسهم في تحقيق العدالة وتأمين الاستقرار الضروري. وبالرجوع للمصفوفة المذكورة، نجد أن حزب الأمة كان يطلق على مشروع العدالة الترميمية المقترح اسم (العدالة التكميلية) كما أنه لم يفصح حينها صراحةً بمطالبة إعفاء من شاركوا في التغيير من تطبيق العدالة التقليدية وإنما كان الحديث في شكل عموميات، وتشبيه للثقافة المجتمعية للمصالحات مثل (القلد، الأجاويد، والضرا …الخ)، وحينها كانت تدور رؤيته بأنه ينبغي خلال الحكم الانتقالي القادم التأسيس لانتقال سياسي نحو حكم الحريات وحقوق الإنسان وسيادة حكم القانون. ويشير المشروع أن ضخامة الانتهاكات التي جرت في السودان يتطلب أن تصاحب ذلك إجراءات مدروسة لتحقيق العدالة الانتقالية، بما يستند على أليات العدالة الدولية، والتكميلية تحقيقاً للوحدة الوطنية والتعافي المجتمعي وإنصافاً للضحايا، موضحاً أن العدالة التكميلية تعنى بها المحاكم المختصة بالنظر في الجرائم التي لا تنظر فيها المحكمة الجنائية الدولية من أجل معالجة كل المظالم وإكمال العدالة منعاً لأي حلقة من الانتقام والثأر وهي مهمة في مرحلة ما بعد النزاع، لذلك كما يقول سياسيون بأن ثمة اختلافاً كبيراً فيما عرضه حزب الأمة في مصفوفته السابقة وبيانه الأخير.
بالمقابل، وصف مراقبون أن مشروع حزب الأمة الترميمي محاولة لفتح الباب أمام التحلل الجنائي والسياسي لمتورطين في جرائم سابقة، بغرض ضمان جذبهم في تحالف مستقبلي مع الحزب، مشيرين إلى أن العدالة الترميمية تعني التشفع في الحق العام الدستوري بعدم المساواة أمام القانون والانحياز للقاتل على المواطن المكلوم، وسلب الحق الخاص لضحايا الإبادة في القصاص.
بينما قال الصحفي السوداني عبد الناصر الحاج، إن بيان حزب الأمة القومي حول استلام كوشيب من قبل المحكمة الجنائية، هو بيان جيد وجرئ من حيث الموقف السياسي، بحسبان أن الحزب طالب صراحة بتسليم المتهمين للمحكمة وأكد تأييده لميثاق روما، أما بالنسبة لحديث الحزب عن العدالة الترميمية، فأعتقد أنه كان ينبغي على حزب الأمة الإدراك بأن موجهات العدالة الدولية بعد صدور الحكم تحددها رغبة أولياء (الدم) وأسر الضحايا ومدى رغبتهم في تنفيذ القصاص من عدمه، ولا تحددها أي مناشدات سياسية لقاضي المحكمة الجنائية، وأضاف: (أننا لا نريد أن نذكر الحزب بأن المخلوع البشير الذي رهن كل مصير البلاد بموقفه الشخصي من الجنائية أصبح الآن بين جدران السجن وبينه وبين الجنائية بضع خطوات، وهذا بالطبع لم يأت إلا بفعل الإرادة الجماهيرية القصوى، وهي التي وحدها من تحدد مصائر المطلوبين للعدالة مهما كانت أساليبهم المضادة، ومهما طال الزمن أو قصر).