مسلسل الكرتون الأمريكي الشهير (عائلة سيمبسون) عاد للواجهة مرة أخرى بعد سلسلة نبوءات ناجحة كفوز “دونالد ترمب” بالرئاسة وفساد “فيفا” وعلم المقاومة السورية الحالي والفيروس الذي يأتي من اليابان (حسب المسلسل) وصولاً لتظاهرات عنيفة بسبب مقتل أمريكي أفريقي على يد الشرطة، أسقطها البعض على مقتل (جورج فلويد) وكثير من الأحداث التي تحققت وجعلت البعض يعيد مشاهدة المسلسل الذي بدأ بثه في العام 1989 للمقارنة والإسقاط وحتى قراءة الواقع الحالي.
المسلسل أظهر اندماج المحطات الإعلامية الأمريكية CNN,CBC, NBC في شراكة أسماها (CNNBCBS) أسوة بما حدث مع فوكس وديزني سابقاً، وبغض النظر عن كونها إشارة وردت في مسلسل كرتوني، لكنها قراءة واقعية لمستقبل الأعمال وضرورة خلق التكتلات المؤسساتية، ففي أمريكا مثلاً تغيّرت هياكل المؤسسات الإعلامية جذرياً، حيث اندمجت مئات الصحف وشبكات الإذاعة والتلفزيون الصغيرة في مؤسسات إعلامية ضخمة، بل وقامت مؤسسات متعددة الجنسيات شملت شبكات التلفزيون والمحطات الإذاعية وقنوات الكابل التلفزيونية واستوديوهات الأفلام السينمائية والأغاني ودور نشر الكتب والمجلات والتي سيطرت على صناعة الصحافة والنشر والسينما وهي تخدم بعضها البعض مستندة على رؤوس أموال تملك النفوذ والتأثير أسوة بالمصارف والشركات والصناعات.
شبكات التواصل الاجتماعي، غيّرت قواعد اللعبة، وفكت رهن صناعة وحصرية الخبر من الوكالات، وجعلت المتلقي شريكاً في الصناعة، بل وأجبرت الإعلام التقليدي على احتوائها وجعلها جزءاً من بنيته لقوتها وسرعة تأثيرها وقلة تكاليفها في مُواجهة المصروفات العالية وحقوق البث والملكية وغيرها. والمفارقة في أن شبكات التواصل الاجتماعي حديثة النشأة، اقتحمت باب الشراكات والاستحواذ وبأرقام مذهلة، فـ(فيسبوك) مثلاً ضمت “واتس آب وانستغرام” بمبلغ فاق العشرين مليار دولار أمريكي في قراءة سليمة للسوق الذي يفرض التطوير، ولأن التطوير هو الهدف فكلمة السر الآن هي (التطوير يفرض الاندماج)، مفسرة هرولة المؤسسات الإعلامية وغير الإعلامية نحو التكتلات.
المؤسف أن رأس المال والجهات المنظمة في السودان لا يقرأون كيف تسير الأمور، فالعالم يسعى جاهداً لخفض التكاليف وتحسين الجودة، وهنا تجد التمادي في ضخ المزيد المنفرد، فعدد الصحف الورقية اليوم يقترب من الـ(50) صحيفة يومية تُطبع كلها في الخرطوم، ونفس الرقم تقريباً لإذاعات (FM) وكلها تبث من الخرطوم والقليل منها يصل بثه الولايات، أما الفضائيات، فقد كسرت حاجز الـ(25) فضائية في بلد يفوق تعداد سكانه (40) مليون نسمة، منهم (8) ملايين في الخرطوم مع نسبة أمية مرتفعة وتكاليف تشغيل عالية مع مُحتوى غير مُرضٍ للمتلقي ولا يستطيع جذب غير السوداني، وهناك المزيد من “التصاديق” حبيسة الأدراج، وحتى تجارب الشراكات ماتت في مهدها لأسباب تتعلُق بعقلية المُلاك والتنفيذيين وبعيدة كل البُعد عن الطرق السليمة لإدارة (البزنس).
نموذج الشبكة أو المجموعة مثل شبكة الجزيرة ومجموعة قنوات mbc يحتاج إلى تمويل عال حتى تعتمد على نفسها.. “تاسيتي” قدمت نفسها كمجموعة بثلاث فضائيات وإذاعة وموقع إخباري وصحيفة ورقية، نظرياً لا استبعد أن تدخل سوق الاستحواذ لتقوى عود المجموعة، لكن وحسب معطيات السوق هي تصارع الوضع الاقتصادي مصحوباً بعدم رضاء المتلقي وصل لدرجة السخط على المُحتوى الذي تقدمه قناة أنغام بالتحديد، الأمر الذي يتطلب جراحة دقيقة وقاسية حتى تضع نفسها في الطريق الصحيح.
أكرر.. صناعة الإعلام في السودان ما زالت تسير على درب الاستثمار غير المدروس، وحتى الآن لم يصل رأس المال لقناعة بأن الوضع الحالي هو مضيعة للمال والوقت، فصوت العقل يحتم على مُلاك المؤسسات إعادة دراسة الجدوى الاقتصادية لتحديد مستقبلها، وأنصح الحكومة بالتخلص من المحطات التابعة لها، لأنها تخصم أكثر مما تقدم وتستهلك مبالغ كبيرة وبدون محتوى، الإذاعات والقنوات المتخصصة وهو ما سنتاوله في مقال قادم بإذن الله، أما الصحف الورقية فأرقام التوزيع التي ينشرها المجلس القومي للصحافة والمطبوعات تكفي لقراءة المستقبل.
مخرج..
الراحل عبد المولى الصديق كتب مرة أنه كان يتحدث مع والدته عن العمل، فقالت له (الجرايد بتاعتكم دي عاملة زي السمك، أشكاله مختلفة وريحته واااااااااااحدة).. وقس على ذلك.