“خرطوم الحظر”
زرت الخرطوم اليوم..
من بحري..
بعد انقطاع لأشهر بسبب الحظر والحرص..
كلاهما مذلة إن لم يكونا محمدة..
خالد شمو تأخر عن الموعد ربع ساعة إلا قليلاً..
محمد في انتظارنا في الخرطوم..
لم تكن الخرطوم التي تدهشني دائماً..
بناسها..
وورقها..
وشوارعها..
وتلك الوجوه المألوفة..
التي تلف صمت الأمكنة..
بعبقها..
وألقها..
وبريقها..
كانت كمكان ٍ.
مرت عليه ممسحة مهترئة..
لم تزل تجاعيد ما به..
وما عليه..
علها شاخت أمنا الخرطوم “حدثت نفسي”..؟
كلي شوق للورق و الورّاقين..
عشت أبو الزمل..
بالحال العليك..
بالفال.. بالأمل..
أو هكذا سردها حميد..
ليغنيها مصطفى..
والخرطوم وقتها..
ترزح تحت سياط جلادي الإنقاذ..
بلا هوادة..
يعملون سياطهم في ظهورنا..
الكوبري تغيّر..
عله ضاق قليلاً..
أو كبر قليلاً..
لا أعرف..
شيء ما في نفوس و أعين المارة..
تراهم هائمين..
غير ملومين..
أو لعلها فترات الانقطاع..
الورق..
والورّاقين..
الكتابة..
والأقلام..
بحث..
تقصٍّ..
سك الخبر..
تتبع مسارات الخبر..
السبق الصحفي..
النشر..
هي مُتعة..
أن تحب مهنة تمتهنها..
تجري في دمك..
تأخذ وقتك..
وتقتطع منه..
للمسامرة..
والمؤانسة..
في جوٍّ نقي..
“تتونس وتشتغل”..
دونما كلل..
أو ملل..
وسط مساحات محبة..
ومودة..
وعيون تشتاق..
وقلوب تحب..
اليوم لا يكفي..
والخرطوم لم تعد كما هي..
قبل الحظر..
لعلها ساعة..
أو اول زيارة..
الحدس يقول لا..
حدسي يقول لا..
الحيوانات تشعر بالكوارث قبل حلولها..
اعرف ذلك..
ركزت في كلب يتنطط يمنة ويسرة..
عله يقرأ لي..
سبب وجوم الخرطوم..
كان فرحاً..
يلاعب غصن شجرة..
على الأرض..
بكلتا يديه..
هي دلالات شبع وراحة..
وهرة هناك..
تغازل أخرى..
وحمار يقطع خط سير الحركة..
ويبعثرها..
وسط كلاكسات السيارات..
لم أجد فيهم ما يشير..
أو يشي بشيء..
أو لعل وداعة..
إن كان حاضراً من المنسية..
لأفتانا..
بائع المياه كان زائغ العينين..
ست الشاي كانت ترسم ابتسامة..
خلفها..
شحوب الخرطوم..
حتى الشاعر الذي حاول نظم قصيدة ارتجالية..
عند ست الشاي..
انقطع نظمه هو الآخر..
الورق..
الورّاقين..
الجا من الجريف..
الجا من الجبل..
نقنق هاظرهم..
غاظوه ونعل..
وعم عبد الرحيم..
ما بعرف زعل..
يزعل من منو..
يزعل في شنو..
كل الناس هنا..
كل الناس صحاب..
كل الناس أهل..
هي الخرطوم التي نتكئ على ظلال ورقها..
و سنعيد بريقها إليها..
معاً..
أجمعين..
بعزمنا..
وإصرارنا..
زرت الزملاء..
الأحباب..
الورّاقين..
المباني غشتها..
لمسة حُزن..
لمحة عتاب..
وهناك مصطفى سيد أحمد يصدح عبر بوّابة كشك خشبي.. يغني بمزاج عالٍ..
بالعود..
مرددا..
والبال اشتغل ..
والبال اشتعل..
بالأبى ما يعيد..
الحول ما اشتغل..
الغُبن الشديد..
السابا ورحل..
الضيق المحل..
والفرج القريب..
الجاء وما وصل..
زي الحال ده يوم لا كان لا حصل..
والبال اشتغل..
السكة الحديد يا عمو القطر..
يا عبد الرحيم قدامك قطر..
وسال الدم مطر..
وطارت دمعتين.. وإنشايح وتر..
يا طاحن الخبر..
ما بين القضا..
ومرحاكة القدر..
الشهدوا الدموم..
والدمع الهدر..
إيدهم في التراب.. والعين في القطر..
عارفين الحصل..
عارفين في حذر..
عم عبد الرحيم..
في الشارع عَصر..
لي تالة اليسار..
متفادي الكجر..
دورية الكجر..
عربية الكجر..
جفلت الحمار..
وطوّح زي حجر..
وعم عبد الرحيم إتلافا القطر ..
لعل الخرطوم..
تحتوي قطاراتها..
وسياراتها..
وطائراتها..
فالأربعاء عمل..
مع احترازات وزارة الصحة..